الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في حج العبد والمرأة والصبي والمجنون

                                                                                                                                                                                        تقدم القول في سقوط الحج عن العبد ، فقال مالك فيمن أتى مكة ومعه عبد أو جارية : فله أن يدخلهما بغير إحرام ، ويخرجهما إلى منى وعرفات غير محرمين . قال : وقد يريد بيع الجارية . وقال في كتاب محمد : أما العبد الذي له الهيئة فأحب إلي أن يدخله محرما ، وأما الصغير والعجمي والجارية يأتي بها للبيع فلا . وإن ناشدته الله أن يتركها تحرم ، فأستحب له أن يحرمها . واستحب أن يحرم العبد الذي له الهيئة ؛ لأن مثله يرغب في ذلك . ولا ضرر على السيد في ذلك ؛ لأن ذلك لا يعطل عليه شيئا من خدمته .

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا أراد بيعه بعد أن أحرم ، فأجاز ذلك في المدونة . وقال سحنون : لا يجوز بيعه . وقال : متى يأخذه المشتري بعد الحج أو قبله ؟ قال : ألا ترى أن ابن القاسم يقول : إذا أجر عبده شهرا لم يجز بيعه .

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ - رضي الله عنه - : وقد يفرق بين السؤالين ؛ لأن العبد المحرم منافعه لمشتريه ، وفي الإجارة منافعه قد بيعت ، فيحتسب من كان في الإحرام بهذا ، فإن كان المشتري محرما كان ذلك أخف وإن كان الموضع بعيدا ؛ لأنه خارج معه ، ومسافر به ، وإن كان غير محرم فذلك فاسد ، إلا أن يكون الموضع قريبا ، والأيام يسيرة . [ ص: 1167 ]

                                                                                                                                                                                        وإذا أذن السيد لعبده في الإحرام فأحرم لم يكن له أن يحله . وإن لم يحرم كان له عند مالك أن يمنعه الإحرام ، وليس بالبين ؛ لأن السيد قد أسقط حقه في ذلك ، وهو بمنزلة ما لو قال : أنت حر اليوم من هذا العمل . فإنه لا يستعمله فيه ، وهو في الحج أبين ؛ لما تعلق العبد في ذلك من طاعة الله تعالى وفكاك رقبته ؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" فدخل في عموم هذا الحر والعبد ، والفرض والتطوع ، وإن أحرم بغير إذنه كان له أن يحله .

                                                                                                                                                                                        ويستحب للسيد ألا يحله إذا كان السيد محرما ، كما كان استحب له أن يأذن له في الأول قبل أن يحرم .

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا أحله في وجوب القضاء إذا أذن له بعد ذلك في الحج ، أو عتق العبد ، فقال ابن القاسم : يقضي إذا أذن له . وقال أشهب وسحنون : لا قضاء عليه . وهو أبين ؛ لأن السيد قد رد إحرامه من أصله بحق تقدم العقد ، وليس بمنزلة الفوات ؛ لأن الفوت أمر طرأ على العقد بعد صحته ، ثم لا يخلو العبد في الإحرام الذي أحله منه السيد من أربعة أوجه : إما أن يكون تطوعا ، أو منذورا في حج لعام بعينه ، أو منذورا مضمونا ، أو نوى حجة الإسلام ، وهو يظن أن ذلك عليه . فإن كان تطوعا بغير نذر ، أو نذر حج ذلك العام لم يلزمه القضاء إن أذن له السيد ، أو أعتق في عام آخر . [ ص: 1168 ]

                                                                                                                                                                                        وإن أذن له ، أو أعتق في ذلك المقام الذي أحله منه ، وهو يدرك الحج ندب إلى الوفاء به ، وليس بواجب .

                                                                                                                                                                                        وإن كان منذورا أو مضمونا فأحرم ينوي قضاء ذلك النذر ثم رد السيد إحرامه- كان عليه القضاء متى أعتق ؛ لأن السيد إنما رد ذلك الإحرام ، ولم يرد النذر ولا العقد المتقدم قبل الإحرام .

                                                                                                                                                                                        واختلف هل للسيد أن يرد عقده للنذر ، فأجاز ذلك ابن القاسم ، ومنعه أشهب . وهو أحسن ؛ لأن ذلك العقد لا يضر السيد ما دام العبد في ملكه ، ولا يحط من الثمن إن باعه . وإن أحرم ينوي حجة الإسلام ، وظن أن ذلك عليه لم يكن عليه شيء ما دام في الرق ، وإن أذن له السيد . فإن أعتق أتى بحجة الإسلام فقط . وإذا أحرم العبد فأذن سيده ، ثم فاته الحج لمرض أو لخطأ العدد كان عليه القضاء ، وليس للسيد أن يمنعه من ذلك ، على القول أن القضاء على الفور . وعلى القول أن له التراخي يستحب ألا يخالف السيد إذا منعه السنة والسنتين .

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا تعمد الفوات والفساد ، فقال أشهب في كتاب محمد : ليس على السيد أن يأذن له ، وذلك عليه إذا أعتق . وهو أصل مالك وابن القاسم . وقال أصبغ : عليه أن يأذن له . وقال ابن حبيب : إن لزمه صوم- لم يمنعه السيد وإن أضر به . وكذلك إذا نكح بإذنه ، وظاهر - لم يمنعه من الصوم ، وإن أضر به . وهو قول ابن وهب وابن الماجشون وابن شهاب ويحيى بن سعيد ، ورأوا أن القضاء على الفور . [ ص: 1169 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية