الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 388 ] لما تضمن أمره سبحانه في آخر الطارق بالإمهال النهي عن الاستعجال الذي هو منزه عنه لكونه [نقصا- ] ، وأشار نفي الهزل [عن القرآن -] - إلى أنهم وصموه بذلك وهو في غاية البعد [عنه - ] إلى غير ذلك مما أشير إليه فيها ونزه نفسه الأقدس سبحانه عنه، أمر أكمل خلقه رسوله المنزل عليه هذا القرآن صلى الله عليه وسلم بتنزيه اسمه لأنه وحده العالم بذلك حق علمه، وإذا نزه اسمه عن أن يدعو به وثنا أو غيره أو يضعه في غير ما يليق به، كان لذاته سبحانه أشد تنزيها، فقال مرغبا في الذكر لا سيما بالتنزيه الذي هو نفي المستحيلات لأن التخلي قبل التحلي، شارحا لأصول الدين مقدما للإلهيات التي هي النهايات من الذات ثم الصفات لا سيما القيومية ثم الأفعال على النبوات، ثم أتبع ذلك النبوة ليعرف العبد ربه على ما هو عليه من الجلال والجمال، فيزول عنه داء الجهل الموقع في التقليد، وداء الكبر الموقع في إنكار الحقوق، فيعترف بالعبودية والربوبية، لا مثنيا عليه سبحانه بالجلال ثم الجمال فيعبده على ما يليق به من امتثال أمره واجتناب نهيه تعظيما لقدره: سبح أي نزه وبرئ تنزيها وتبرئة عظيمتين جدا قويتين شديدتين اسم ربك أي المحسن إليك بعد إيجادك على صفة الكمال بتربيتك [ ص: 389 ] على أحسن الخلال حتى كنت في غاية الجلال والجمال.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان الإنسان محتاجا في أن تكون حياته طيبة ليتمكن مما يريد إلى ثلاثة أشياء: كبير ينتمي إليه ليكون له به رفعة ينفعه بها عند مهماته، ويدفع عنه عند ضروراته، ومقتدى يربط به نفسه عند ملماته، وطريقة مثلى ترتكبها كما أشار إليه قوله صلى الله عليه وسلم "رضيت بالله ربا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا وبالإسلام دينا" أرشده صلى الله عليه وسلم إلى أن الانقطاع إليه أعلى الجاه، فقال واصفا لمن أمره بتسبيحه بإثبات ما له من الواجبات بعد نفي المستحيلات كما أشار إليه "سبحانك وبحمدك" : الأعلى [أي - ] الذي له وصف الأعلوية في المكانة لا المكان على الإطلاق عن كل شائبة نقص وكل سوء من الإلحاد في شيء من أسمائه بالتأويلات الزائغة وإطلاقه إلى غيره مع زعم أنهما فيه سواء، وذكره خاليا عن التعظيم وغير ذلك ليكون راسخا في التنزيه فيكون من أهل العرفان الذين يضيئون على الناس مع كونهم في الرسوخ كالأوتاد الشامخة التي هي مع علوها لا تتزحزح، وقد ذكر سبحانه [ ص: 390 ] هذا المعنى معبرا عنه بجميع جهاته [الأربع - ] في ابتداء سور أربع استيعابا لهذه الكلمة الحسنى الشريفة من جميع جهاتها. فابتدأ سورة الإسراء التي هي سورة الإحسان ب "سبحان" المصدر الصالح لجميع معانيه إعلاما بأن هذا المعنى ثابت له مطلقا غير مقيد بشيء من زمان أو غيره، ثم ثنى بالماضي في أول الحديد والحشر والصف تصريحا بوقوع ما أفهمه المصدر في الماضي الذي يشمل أزل الآزال إلى وقت الإنزال، ثم ثلث في أول الجمعة والتغابن بالمضارع لأن يفهم مع ما أفهم المصدر والماضي دوام التجدد، فلما تم ذلك من جميع وجوهه توجه الأمر فخصت به سورته، وقد مضى في أول الحديد والجمعة ما يتمم هذا.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية