الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وفي سترة مغصوبة ونجسة وجهان ( م 5 - 6 ) [ ص: 474 ] فالصلاة إليها كالمقبرة ، قال صاحب النظم وعلى قياسه سترة [ ص: 475 ] الذهب ، ويتوجه منها لو وضع المار سترة ومر ، أو تستر بدابة جاز . وسترة الإمام سترة لمن خلفه ( و ) ولا عكس ( و ) فلا يستحب للمأموم سترة ، وليست سترة له ، وذكروا أن معنى ذلك إذا مر ما يبطلها فظاهره أن هذا فيما يبطلها خاصة ، وأن كلامهم في نهي الآدمي عن المرور على ظاهره ، وكذلك المصلي لا يدع شيئا يمر بين يده لأنه عليه السلام { كان يصلي إلى سترة دون أصحابه } لكن قد احتجوا بمرور ابن عباس بالأتان بين يدي بعض الصف ولم ينكر ذلك أحد ، وهذا قضية عين يحتمل البعد ، مع أنه في الحرم ، ويحتمل عدم الإمكان ، وحضور شاغل عنه ، ولو علم النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل ولم ينكر ذلك أحد ، بل كان يضيف عدم الإنكار إليه ، وغايته إقرار بعض الصحابة ، واحتجوا { بأن البهيمة لما أرادت أن تمر بين يديه عليه السلام درأها حتى التصق بالجدار فمرت من ورائه } رواه أبو داود ، وابن ماجه بإسناد جيد إلى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، ولم يفعلوا كفعله ، ولم ينكر عليهم ، وهذا إن صح فقضية عين تحتمل أنها لم تمر بين أيديهم ، مع [ ص: 476 ] احتمال البعد ، أو تركوها لظنهم عدم الإمكان ، مع أنه مقام كراهة ، وهذا منهم يدل على العموم ، فاختلف كلامهم على وجهين والأول أظهر ، وفاقا للشافعية وغيرهم .

                                                                                                          وقال ابن تميم : ومن وجد فرجة في الصف قام فيها إذا كانت بحذائه ، فإن مشى إليها عرضا كره ، وعنه لا ، وقال صاحب النظم : لم أر أحدا تعرض لجواز مرور الإنسان بين يدي المأمومين ، فيحتمل جوازه اعتبارا بسترة الإمام لهم حكما ، ويحتمل اختصاص ذلك بعدم الإبطال ، لما فيه من المشقة على الجميع ، ومراده عدم التصريح به ، وقد قال القاضي عياض المالكي : اختلفوا هل سترة الإمام سترة لمن خلفه أم هي سترة له خاصة وهو سترة لمن خلفه مع الاتفاق أنهم مصلون إلى سترة " ولمسلم عن أبي هريرة مرفوعا { إنما الإمام جنة } أي الترس ، يمنع من نقص صلاة المأموم ، لا أنه يجوز المرور قدام المأموم كما سبق ، وروى ابن خزيمة " حدثنا الفضل بن يعقوب الرصافي ، حدثنا الهيثم بن جميل ، حدثنا جرير بن حازم ، عن يعلى بن حكيم والزبير بن خريت ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ، فمرت شاة بين يديه ، فساعاها إلى القبلة ، حتى ألصق بطنه بالقبلة } رواه ابن حبان ، عن ابن خزيمة ، ورواه الطبراني ، عن إبراهيم بن صالح الشيرازي ، عن عمر بن حكام ، عن جرير ، وروي ذلك في المختارة حديث صحيح ، ولا يجيب الوالد في نفل أن لزم بالشروع ، وسأله المروذي عنها ، فقال : يروى عن ابن المنكدر إذا دعتك أمك فيها فأجبها ، وأبوك لا تجبه ، وكذا الصوم ، ونقل أبو الحارث يروي عن الحسن له أجر البر ، وأجر [ ص: 477 ] الصوم إذا أفطر . ويجب أن يجيب النبي صلى الله عليه وسلم في نفل وفرض ( و ) وإن قرأ آية فيها ذكره صلى عليه في نفل نص عليه ، وأطلقه بعضهم ومذهب ( هـ ) تبطل مطلقا ، إن سمع اسمه ، أو كان عادة له ، ويجب رد كافر معصوم دمه عن بئر في الأصح ، كمسلم ، فيقطع ، وقيل يتم ، وكذا إن فر منه غريمه ، نقل حبيش يخرج في طلبه ، وكذا إنقاذ غريق ونحوه ، وقيل نفلا ، وإن أبى صحت ، ذكروه في الدار المغصوبة .

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          ( مسألة 5 ) قوله : وفي سترة مغصوبة ونجسة وجهان ، انتهى ، ذكر مسألتين ( المسألة الأولى ) لو صلى إلى سترة مغصوبة فمر من ورائها ما يقطع الصلاة ، فهل يقطعها أم لا ؟ أو مر من ورائها من يكره مروره ، فهل يكره أم لا ؟ أطلق الخلاف ، وأطلقه في المغني ، والمجد في شرحه ، والشرح ، ومختصر ابن تميم والرعاية الصغرى ، والحاويين وغيرهم ، إحداهما كغيرها ، قدمه في الرعاية الكبرى ، وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب ، لإطلاقهم ، والوجه الثاني لا يعتد بها ، فوجودها كعدمها ، جزم بها ابن رزين في شرحه ( قلت ) وهذا الصواب ، قال المجد في شرحه بعد أن أطلق الوجهين وعللهما ، وأصل الوجهين الصلاة في البقعة والثوب المغصوب ، انتهى ، والمذهب عدم صحة الصلاة في ذلك ، فكذا يكون هنا ، وهو الذي اخترناه والله أعلم .

                                                                                                          ( المسألة الثانية ) إذا صلى إلى سترة نجسة فهل هي كالطاهرة أم لا يعتد بها أطلق الخلاف ، إحداهما هي كالطاهرة قدمه في الرعاية الكبرى ( قلت ) وهو الصواب الذي لا يعدل عنه ، وهو ظاهر كلام الأصحاب ، والوجه الثاني وجودها [ ص: 475 ] كعدمها ( قلت ) وهو ضعيف ، وإطلاق المصنف فيه نظر ، والصحيح الفرق بين المغصوبة والنجسة .

                                                                                                          ( تنبيه ) قوله في سترة الإمام سترة لمن خلفه بعد ذكره حديث ابن عباس والذي بعده وما فيهما من الاحتمالات قال فاختلف كلامهم على وجهين ، والأول أظهر وفاقا للشافعية ، وغيرهم انتهى ، قال ابن نصر الله في حواشيه ، صوابه والثاني أظهر ، لأنه محل وفاق الشافعية أعني عموم سترة لما يبطلها ولغيره ، كمرور الآدمي ، ومنع المصلي المار ، انتهى .




                                                                                                          الخدمات العلمية