الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 6849 ) مسألة ; قال : ( وإن كان الجنين مملوكا ، ففيه عشر قيمة أمه ، سواء كان الجنين ذكرا أو أنثى ) . وجملة ذلك أنه إذا كان جنين الأمة مملوكا ، فسقط من الضربة ميتا ، ففيه عشر قيمة أمه . هذا قول الحسن ، وقتادة ، ومالك ، والشافعي ، وإسحاق ، وابن المنذر . وبنحوه قال النخعي ، والزهري . وقال زيد بن أسلم : يجب فيه نصف عشر غرة ، وهو خمسة دنانير .

                                                                                                                                            وقال الثوري ، وأبو حنيفة وأصحابه : يجب فيه نصف عشر قيمته إن كان ذكرا ، وعشر [ ص: 321 ] قيمته إن كان أنثى ; لأن الغرة واجبة في جنين الحرة هي نصف عشر دية الرجل ، وعشر دية الأنثى ، وهذا متلف ، فاعتباره بنفسه أولى من اعتباره بأمه ، ولأنه جنين مضمون ، تلف بالضربة ، فكان فيه نصف عشر الواجب فيه إذا كان ذكرا كبيرا ، وعشر الواجب إذا كان أنثى ، كجنين الحرة . وقال محمد بن الحسن : مذهب أهل المدينة يفضي إلى أن يجب في الجنين الميت أكثر من قيمته إذا كان حيا . ولنا ، أنه جنين مات بالجناية في بطن أمه ، فلم يختلف ضمانه بالذكورة والأنوثة ، كجنين الحرة ، ودليلهم نقلبه عليهم ، فنقول : جنين مضمون ، تلف بالجناية ، فكان الواجب فيه عشر ما يجب في أمه ، كجنين الحرة .

                                                                                                                                            وما ذكروه من مخالفة الأصل ، معارض بأن مذهبهم يفضي إلى تفضيل الأنثى على الذكر ، وهو خلاف الأصول ولأنه لو اعتبر بنفسه ، لوجبت قيمته كلها ، كسائر المضمونات بالقيمة ، ولأن مخالفتهم أشد من مخالفتنا ; لأننا اعتبرناه إذا كان ميتا بأمه ، وإذا كان حيا بنفسه ، فجاز أن تزيد قيمة الميت على الحي مع اختلاف الجهتين ، كما جاز أن يزيد البعض على الكل في أن من قطع أطراف إنسان الأربعة كان الواجب عليه أكثر من دية النفس كلها ، وهم فضلوا الأنثى على الذكر مع اتحاد الجهة ، وأوجبوا فيما يضمن بالقيمة عشر قيمته تارة ، ونصف عشرها أخرى ، وهذا لا نظير له . إذا ثبت هذا ، فإن قيمة أمه معتبرة يوم الجناية عليها . وهذا منصوص الشافعي .

                                                                                                                                            وقال بعض أصحابه : تقوم حين أسقطت ; لأن الاعتبار في ضمان الجناية بالاستقرار . ويتخرج لنا وجه كذلك . ولنا ، أنه لم يتخلل بين الجناية وحال الاستقرار ما يوجب تغيير بدل النفس ، فكان الاعتبار بحال الجناية ، كما لو جرح عبدا ، ثم نقصت السوق ; لكثرة الجلب ، ثم مات ، فإن الاعتبار بقيمته يوم الجناية ، ولأن قيمتها تتغير بالجناية وتنقص ، فلم تقوم في حال نقصها الحاصل بالجناية ، كما لو قطع يدها فماتت من سرايتها ، أو قطع يدها فمرضت بذلك ، ثم اندملت جراحتها .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية