الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 6856 ) مسألة : قال : ( وإن ضرب بطنها ، فألقت جنينا حيا ، ثم مات من الضربة ، ففيه دية حر إن كان حرا ، أو قيمته إن كان مملوكا ، إذا كان سقوطه لوقت يعيش لمثله ، وهو أن يكون لستة أشهر فصاعدا ) هذا قول عامة أهل العلم . قال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم ، على أن في الجنين ، يسقط حيا من الضرب ، دية كاملة ، منهم ; زيد بن ثابت ، وعروة ، والزهري ، والشعبي ، وقتادة ، وابن شبرمة ، ومالك ، والشافعي ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وأصحاب الرأي ; وذلك لأنه مات من جنايته بعد ولادته ، في وقت يعيش لمثله ، فأشبه قتله بعد وضعه .

                                                                                                                                            وفي هذه المسألة ثلاثة فصول : ( 6857 ) الفصل الأول : أنه إنما يضمن بالدية إذا وضعته حيا ، ومتى علمت حياته ، ثبت له هذا الحكم ، سواء ثبتت باستهلاله ، أو ارتضاعه ، أو بنفسه ، أو عطاسه ، أو غيره من الأمارات التي تعلم بها حياته . هذا ظاهر قول الخرقي . وهو مذهب الشافعي . وروي عن أحمد ، أنه لا يثبت له حكم الحياة إلا بالاستهلال . وهذا قول الزهري ، وقتادة ، ومالك ، وإسحاق . وروي معنى ذلك عن عمر ، رضي الله عنه وابن عباس ، والحسن بن علي ، وجابر ، رضي الله عنهم ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { إذا استهل المولود ، ورث وورث } . مفهومه أنه لا يرث إذا لم يستهل . والاستهلال : [ ص: 324 ] الصياح .

                                                                                                                                            قاله ابن عباس ، والقاسم ، والنخعي لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { ما من مولود يولد ، إلا مسه الشيطان ، فيستهل صارخا ، إلا مريم وابنها } . فلا يجوز غير ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم والأصل في تسمية الصياح استهلالا ، أن من عادة الناس أنهم إذا رأوا الهلال صاحوا ، وأراه بعضهم بعضا ، فسمي صياح المولود استهلالا ; لأنه في ظهوره بعد خفائه كالهلال ، وصياحه كصياح من يتراءاه . ولنا ، أنه علمت حياته ، فأشبه المستهل ، والخبر يدل بمعناه وتنبيهه على ثبوت الحكم في سائر الصور ; لأن شربه اللبن أدل على حياته من صياحه ، وعطاسه صوت منه كصياحه ، وأما الحركة والاختلاج المنفرد ، فلا يثبت به حكم ; الحياة ; لأنه قد يتحرك بالاختلاج وسبب أخر ، وهو خروجه من مضيق ، فإن اللحم يختلج سيما إذا عصر ثم ترك ، فلم تثبت بذلك حياته . ( 6858 ) الفصل الثاني : أنه إنما يجب ضمانه إذا علم موته بسبب الضربة ، ويحصل ذلك بسقوطه في الحال وموته أو بقائه ، متألما إلى أن يموت ، أو بقاء أمه متألمة إلى أن تسقطه ، فيعلم بذلك موته بالجناية ، كما لو ضرب رجلا فمات عقيب ضربه ، أو بقي ضمنا حتى مات .

                                                                                                                                            وإن ألقته حيا ، فجاء آخر فقتله ، وكان فيه حياة مستقرة ، فعلى الثاني القصاص إذا كان عمدا ، أو الدية كاملة ، وإن لم يكن فيه حياة مستقرة ، بل كانت حركته كحركة المذبوح ، فالقاتل هو الأول ، وعليه الدية كاملة ، وعلى الثاني الأدب . وإن وقع الجنين حيا ، ثم بقي زمنا سالما لا ألم به لم يضمنه الضارب ; لأن الظاهر أنه لم يمت من جنايته . ( 6859 ) الفصل الثالث : أن الدية الكاملة إنما تجب فيه إذا كان سقوطه لستة أشهر فصاعدا ، فإن كان لدون ذلك ، ففيه غرة ، كما لو سقط متألما . وبهذا قال المزني . وقال الشافعي : فيه دية كاملة ; لأننا علمنا حياته ، وقد تلف من جنايته .

                                                                                                                                            ولنا ، أنه لم تعلم فيه حياة يتصور بقاؤه بها ، فلم تجب فيه دية ، كما لو ألقته ميتا ، وكالمذبوح . وقولهم : إننا علمنا حياته . قلنا : وإذا سقط ميتا وله ستة أشهر ، فقد علمنا حياته أيضا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية