الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          فإن أحرم في الحضر ثم سافر ، وفي السفر ثم أقام ، أو ذكر صلاة في سفر ، أو صلاة سفر في حضر ، أو ائتم مسافر بمقيم . أو بمن يشك فيه ، أو أحرم بصلاة يلزمه إتمامها ، ففسدت وأعادها ، أو لم ينو القصر ، لزمه أن يتم ، وقال أبو بكر : لا يحتاج الجمع والقصر إلى نية .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( فإن أحرم في الحضر ثم سافر ، وفي السفر ثم أقام ) أتم ، نص عليهما ; لأنها عبادة اجتمع لها حكم الحضر والسفر ، فغلب حكم الحضر كالمسح ، وفي الثانية وجه اعتبارا بحالة أدائها ، كصلاة صحة في مرض ، والمسألة مصورة في راكب السفينة ، فلو سافر بعد دخول الوقت لم يجز القصر في قول أصحابنا ; لأنه تعين فعلها أربعا ، فلم يجز النقصان منها كالمنذورة ، وعنه : يجوز ، وحكاه ابن المنذر إجماعا ; لأنها مؤداة في السفر ، أشبه ما لو دخل وقتها فيه ، وقيل : إن ضاق الوقت لم يقصر وجها واحدا ( أو ذكر صلاة حضر في سفر ) أتمها إجماعا ، حكاها أحمد ، وابن المنذر إلا أنه قال : اختلف فيه عن الحسن ، ولأن القضاء معتبر بالأداء ; وهو أربع ( أو ) ذكر ( صلاة سفر في حضر ) أتم ، نص عليه ، وقاله الأوزاعي ; لأن القصر من رخص السفر ، فبطل بزواله كالمسح ثلاثا ، وكذا لو أخرها مسافر عمدا حتى خرج وقتها أو ضاق عنها ، قاله في " المحرر " وغيره ، لأنها تعلقت بذمته كالدين ، والأصل الإتمام ، وقيل : يقصر فيهما إذا ذكر صلاة حضر في سفر ( أو ائتم مسافر بمقيم ) أتم ، نص عليه ، قال ابن عباس : تلك السنة . رواه أحمد ، ولأنها صلاة مردودة من أربع ، فلا يصليها خلف من يصلي الأربع كالجمعة ، وسواء أدرك معه جميع الصلاة ، أو [ ص: 111 ] بعضها ، اعتقد مسافرا أو لا ، وعنه : في ركعة فأكثر ، فعلى الأول إن أدرك معه تشهد الجمعة ؛ أتم ، نص عليه ، وعلى الثانية : يقصر ، ويتوجه تخريج من صلاة الخوف : يقصر مسافر مطلقا ، كما خرج بعضهم إيقاعا مرتين على صحة مفترض بمتنفل ، وشمل ما إذا أحرم المسافرون خلف مسافر فأحدث ، واستخلف مقيما ، فيلزمهم الإتمام دون إمامهم المحدث ( أو بمن يشك فيه ) أي : في إقامته وسفره ، لزمه أن يتم ، وإن بان أن الإمام مسافر لعدم نيته ، لكن إذا علم أو غلب على ظنه أن الإمام مسافر بأمارة وعلامة كهيئة لباس إلا أن إمامه نوى القصر ، فله أن ينويه عملا بالظن ، ولو قال : إن قصر قصرت ، وإن أتم أتممت لم يضر ، وإن سبق إمامه الحدث فخرج قبل علمه بحاله ، فله القصر عملا بالظاهر ، وقيل : يلزمه الإتمام ; لأنه الأصل ( أو يلزمه إتمامها ) كما لو اقتدى بمقيم أو نوى الإتمام ( ففسدت ) بالحدث ، ونحوه ( وأعادها ) أتم لأنها وجبت عليه بتلبسه بها ، وقيل : إن بان أن الإمام محدث قبل السلام ففي وجوب الإتمام وجهان ( أو لم ينو القصر ) عند الإحرام ( لزمه أن يتم ) ذكره معظم الأصحاب ; لأنه الأصل ، وإطلاق النية ينصرف إليه ، كما لو نوى الصلاة مطلقا انصرف إلى الانفراد الذي هو الأصل ، فعلى هذا إن شك في النية في الصلاة أتم ، فإن ذكر أنه كان نوى القصر لم يقصر ، ذكره في " المذهب " ، و " الشرح " ; لأنه لزمه الإتمام فلم يزل .

                                                                                                                          ( وقال أبو بكر ) وجماعة : ( لا يحتاج الجمع ، والقصر إلى نية ) لأنه مخير قبل الدخول في الصلاة فكذا بعده ، والقصر هو الأصل ، لخبر عمر وعائشة ، ولأن السفر حال يبيح القصر ، فإذا تلبس المسافر بها فيه بغير نية ، جاز له القصر ، [ ص: 112 ] لقيام السفر مقام نيته ، كالإمام في الحضر ، فعلى هذا لو نوى الإتمام ، ثم أراد القصر قصر ; لأنه رخصة ، وقيل : لا ; لأن ما يوجب الأربع قد وجد .



                                                                                                                          مسائل : منها إذا صلى مسافر ومقيم خلف مسافر ، أتم المقيم إذا سلم إمامه إجماعا .

                                                                                                                          ومنها : إذا أم مسافر مقيمين فأتم بهم الصلاة ، صح ; لأن المسافر يلزمه الإتمام بنية ، وعنه : تفسد صلاة المقيمين ، قال القاضي : لأن الركعتين الأخيرتين نفل في حق الإمام ، فلا يؤم بهما مفترض . ومنها : إذا انتقل مسافر من القصر إلى الإتمام جاز ، وفرضه الأوليان ، قاله ابن عقيل وغيره ، وإن فعله عمدا مع بقاء نية القصر فهل تبطل صلاته ، على وجهين ، وإن لم تعتبر نية القصر ، وصلى أربعا سجد للسهو على الأصح ، ولا يجب ذلك على الأشهر ، فإن كان إماما ، وعلم المأموم أنه لم يرد الإتمام سبحوا به ، ولم يتابعوه ; لأنه سهو ، فإن تابعوه ، فوجهان .

                                                                                                                          ومنها : إذا شك هل نوى إمامه الإتمام أو قام سهوا لزم متابعته ، وقال ابن عقيل : إن قام إلى ثالثة عمدا أتم ، فإن سلم منها عمدا بطلت ، وإن قام سهوا لم يلزمه الإتمام فإن شاء سجد ، وجلس ، وإن شاء أتم . ومنها : إذا نوى مسافر القصر خلف مقيم عالما بذلك لم يصح ، وقيل : بلى ، ويتمها ، وقيل : ويقصرها ، وفي وجوب نية سفر القصر في أوله وجهان .

                                                                                                                          [ ص: 113 ] وإذا نوى الظهر تامة مسافر أو عبد خلف إمام جمعة ، لم يصح ، نص عليه .




                                                                                                                          الخدمات العلمية