الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
باب شهادة النساء

( قال رحمه الله ولا تجوز شهادة النساء وحدهن إلا فيما ينظر إليه الرجال الولادة والعيب يكون في موضع لا ينظر إليه إلا النساء ) ; لأن الأصل أن لا شهادة له للنساء فإنهن ناقصات العقل والدين كما وصفهن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالنقصان يثبت شبهة العدم ، ثم الضلال والنسيان غلب عليهن وسرعة الانخداع والميل إلى الهوى ظاهر فيهن ، وذلك يمكن تهمة في الشهادة وهي تهمة يمكن التحرز عنها بجنس الشهود فلا تكون شهادتهن على الانفراد حجة تامة لذلك ، ولكنا تركنا القياس فيما لا يطلع عليه الرجال بالأثر وهو حديث مجاهد وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح وطاوس رضي الله عنهم قالوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { شهادة النساء جائزة فيما لا يستطيع الرجال النظر إليه } ، ولأن الضرورة تتحقق [ ص: 143 ] في هذا الموضع فإنه يتعلق به أحكام يحتاج إلى بيانه في مجلس القاضي ويتعذر إثباته بشهادة الرجال ; لأنهم لا يطلعون عليه فلا بد من قبول شهادة النساء فيه ; لأن الحجة لإثبات الحقوق مشروعة بحسب الإمكان .

ثم يثبت ذلك بشهادة امرأة واحدة إذا كانت حرة مسلمة عدلا عندنا والمثنى والثلاث أحوط ، وعند الشافعي لا تثبت إلا بشهادة أربع نسوة ، وعند ابن أبي ليلى شهادة امرأتين فالشافعي يقول كل امرأتين يقومان مقام رجل واحد في الشهادة كما في المذكورات فشهادة أربع نسوة بمنزلة شهادة رجلين فيما يطلع عليه الرجال توضيحه أن حال الرجال في الشهادة أقوى من حال النساء . وإذا كان لا يجوز إثبات شيء مما يطلع عليه الرجال بشهادة رجل واحد لمعنى الإلزام فلأن لا يجوز إثباته بشهادة امرأة واحدة أولى ولا معنى لقول من يقول أن هذا خبر ، وليس بشهادة .

فإن الحرية فيه شرط بالاتفاق قال في الكتاب لو شهدت أمة أو كافرة لا تقبل ، وكذلك لفظ الشهادة لا بد منه فعرفنا أنه بمنزلة الشهادة في الحقوق وبهذا يستدل ابن أبي ليلى رحمه الله أيضا إلا أنه يقول المعتبر في الشهادات شيئان العدد والذكورة ، وقد تعذر اعتبار أحدهما وهو الذكورة هنا ولو لم يتعذر اعتبار العدد فيبقى معتبرا كافي سائر الشهادات ولا معنى لقول من يقول إن نظر الواحدة أحق من نظر المثنى ; لأنه بالاتفاق المثنى والثلاث أحوط فلو كان معتبرا لما جاز النظر إلا لامرأة واحدة وحجتنا في ذلك حديث حذيفة رضي الله عنه أن { رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة القابلة على الولادة . وقال شهادة النساء جائزة فيما لا يطلع عليه الرجال } والنساء اسم جنس فيدخل فيه أدنى ما يتناوله الاسم والمعنى فيه أن هذا خبر لا يشترط في قبوله الذكورة ولا يشترط فيه العدد كرواية الأخبار .

وحقيقة المعنى فيه أن نظر الرجال إلى هذا الموضع غير متعذر ولا ممتنع ، ولكن نظر الجنس إلى الجنس أحق . فإذا أمكن تحصيل المقصود بشهادة النساء سقط اعتبار صفة الذكورية لهذا المعنى ، وهذا موجود في العدد فإن نظر الواحدة أحق من نظر الجماعة فسقط اعتبار العدد بالمعنى الذي يسقط اعتبار الذكورة ; ولهذا لا يسقط اعتبار الحرية فيه ; لأن نظر المملوكة ليس بأخف من نظر الحرة ; ولهذا لا يسقط اعتبار الإسلام فيه ; لأن نظر الكافرة ليس بأخف من نظر المسلمة فينعدم من الشرائط ما يمكن اعتباره ولا يعتبر ما لا يمكن اعتباره فعلى هذا الحرف نسلم أنه شهادة ، ولكن يدعي أنه سقط اعتبار العدد فيه بالمعنى الذي يسقط اعتبار الذكورة .

وفي الحاصل هذا أحد شبهها من الأصلين من الشهادة لمعنى الإلزام ومعنى الإخبار ; لأن صفة الذكورة [ ص: 144 ] فيه لا تشترط فوفرنا خطه على الشبهين وقلنا لشبهه بالإخبار يسقط اعتبار العدد فيه شرطا ويبقى معتبرا احتياطا كما في رواية الإخبار الواحد يكفي والمثنى والثلاث أحوط لزيادة طمأنينة القلب ولاعتباره بالشهادات فيه شرطنا الحرية والإسلام ولفظ الشهادة ، وهذا ; لأنه مختص بمجلس القاضي .

فلهذا يشترط فيه لفظ الشهادة ولم يذكر في الكتاب أنه لو شهد بذلك رجل بأن قال فأجأتها فاتفق نظري إليها والجواب أنه لا يمنع قبول الشهادة إذا كان عدلا في هذا الموضع ، ثم الصحيح أنه لا يشترط العدد ; لأن شهادة الرجل أقوى من شهادة المرأة . فإذا كان ثبت المشهود به هنا بشهادة امرأة واحدة فشهادة رجل واحد أولى ، وقد قال بعض مشايخنا رحمهم الله أنه قال ، وإن قال تعمدت النظر تقبل شهادته في ذلك كما في الزنا واستدلوا عليه بقول أبي حنيفة رحمه الله أن النسب لا يثبت إلا بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين على الولادة إن لم يكن هناك حبل ظاهر ولا فراش قائم ولا إقرار الزوج بالحبل ، وقد بينا هذا في كتاب الطلاق .

فأما الاستهلاك فإني لا أقبل فيه شهادة النساء عليه إلا في الصلاة عليه . فأما في الميراث فلا أقبل في ذلك أقل من رجلين أو رجل وامرأتين في قول أبي حنيفة رحمه الله . وقال أبو يوسف ومحمد رحمهم الله تقبل في ذلك شهادة امرأة واحدة حرة مسلمة عدل لحديث علي رضي الله عنه أنه أجاز شهادة القابلة في الاستهلال والمعنى فيه أن استهلال الصبي يكون عند الولادة وتلك حالة لا يطلع عليها الرجال ، وفي صوته عند ذلك من الضعف ما لا يسمعه إلا من شهد تلك الحالة وشهادة النساء فيما لا يطلع عليه الرجل كشهادة الرجال فيما يطلعون عليه ; ولهذا يصلى عليه بشهادة النساء . فكذلك يرث وأبو حنيفة رحمه الله يقول الاستهلال صوت مسموع ، وفي السماع من رجال يشاركون النساء .

التالي السابق


الخدمات العلمية