الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 450 ] مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو أمكنه أن يطلقها فلم يفعل لزمته الكفارة وكذلك لو مات أو ماتت " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : اعلم أن الكفارة إذا وجبت عليه بالعود وهو ما ذكرناه من إمساكها بعد الظهار مدة يقدر على تحريمها بعد بطلاق لم تسقط عنه بعد الوجوب بما حدث بعد من طلاق أو لعان إجماعا، ولا بما حدث من قوله أو قولها، وقال مالك : إذا مات بعد العود الذي هو عنده العزم على الوطء سقطت الكفارة عنه بعد وجوبها استدلالا بأن وجوب الكفارة بالعزم على الوطء الصدقة في مناجاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالعزم على مناجاته ، ثم لو وجبت بالعزم سقطت بفوت المناجاة فكذلك كفارة الظهار ، وهذا خطأ ؛ لأن ما وجب من الكفارات لم يسقط بغير أداء كسائر الكفارات ، ولأنه لو فات الوطء بالتحريم لم تسقط به الكفارة كذلك إذا فات بالموت ، فأما صدقة المناجاة فمنسوخة الحكم، فلم يجز أن يجعل أصلا لحكم ثابت ، على أن صدقة المناجاة قد كان وجوبها بالعزم على المناجاة موقوفا على فعل المناجاة وجرى تقديمها مجرى تقديم الطهارة على الصلوات وخالف عود الظهار لاستقرار الوجوب به . والله أعلم .

                                                                                                                                            فصل : فإذا تقرر ما وصفنا لم يخل حال الموت بعد الظهار من أن يكون قبل زمان العود أو بعده ، فإن كان بعد زمان العود لم تسقط به الكفارة على ما قدمنا ، وإن كان قبل زمان العود وهو أن يموت عقيب ظهاره قبل أن يمضي عليه زمان طلاقها، أو تموت الزوجة، فلا كفارة عليه لأنه ما أمسكها بعد الظهار ولا قدر على طلاقها بالموت .

                                                                                                                                            فصل : وأما إذا تعقب الظهار ردة ، فإن كانت قبل الدخول وقعت بها الفرقة سواء كانت من جهته أو من جهتها وقامت مقام الطلاق البائن في إسقاط العود ، وإن كانت بعد الدخول قامت مقام الطلاق الثاني الرجعي في سقوط العود ، وكان النكاح موقوفا على انقضاء العدة، فإن عاد المرتد إلى الإسلام قبل انقضاء العدة كانا على النكاح وصار عائدا وفيما يصير به عائدا وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : يصير بالإسلام عائدا .

                                                                                                                                            والثاني : أن يمضي بعد الإسلام زمان العود ، وإن أسلم المرتد بعد انقضاء العدة بطل النكاح ، فإن استأنف نكاحه ففي عود الظهار قولان على ما مضى ثم بماذا يصير عائدا وجهان . والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية