الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل في دفع الدعاوى .

لما قدم من يكون خصما ذكر من لا يكون ( قال ذو اليد هذا الشيء ) المدعى به منقولا كان أو عقارا ( أودعنيه أو أعارنيه أو آجرنيه أو رهنيه زيد الغائب أو غصبته منه ) من الغائب ( وبرهن عليه ) على ما ذكر والعين قائمة لا هالكة وقال الشهود نعرفه باسمه ونسبه أو بوجهه . وشرط محمد معرفته بوجهه أيضا فلو حلف لا يعرف فلانا وهو لا يعرفه إلا بوجهه لا يحنث ذكره الزيلعي وفي الشرنبلالية عن خط العلامة المقدسي [ ص: 567 ] عن البزازية أن تعويل الأئمة على قول محمد ا هـ فليحفظ ( دفعت خصومة المدعي ) للملك المطلق لأن يد هؤلاء ليست يد خصومة وقال أبو يوسف : إن عرف ذو اليد بالحيل لا تندفع وبه يؤخذ ملتقى واختاره في المختار وهذه مخمسة كتاب الدعوى ، لأن فيها أقوال خمسة علماء كما بسط في الدرر أو لأن صورها خمس عيني وغيره .

قلت : وفيه نظر إذ الحكم كذلك لو قال وكلني صاحبه بحفظه ، أو أسكنني فيها زيد الغائب أو سرقته منه أو انتزعته منه أو ضل منه فوجدته بحر أو هي في يدي مزارعة بزازية فالصور إحدى عشرة .

قلت : لكن ألحق في البزازية المزارعة بالإجارة أو الوديعة قال فلا يزاد على الخمس [ ص: 568 ] وقد حررته في شرح الملتقى .

التالي السابق


فصل في دفع الدعاوى .

( قوله أودعنيه ) ظاهر قوله أودعنيه وما بعده يفيد أنه لا بد من دعوى إيداع الكل وليس كذلك لما في الاختيار أنه لو قال النصف لي والنصف وديعة عندي لفلان وأقام بينة على ذلك اندفعت في الكل لتعذر التمييز ا هـ بحر . وفيه أيضا وأفاد المؤلف أنه لو أجاب بأنها ليست لي أو هي لفلان ، ولم يزد لا يكون دفعا وقيد بكونه اقتصر على الدفع بما ذكر للاحتراز عما إذا زاد وقال كانت داري بعتها من فلان وقبضها ثم أودعنيها أو ذكر هبة وقبضا لم تندفع إلا أن يقر المدعي بذلك أو يعلمه القاضي .

( قوله أو رهنيه زيد ) أتى بالاسم لعلم ، لأنه لو قال : أودعنيه رجل لا أعرفه لم تندفع ، فلا بد من تعيين الغائب في الدفع ; وكذا في الشهادات كما سيذكره الشارح فلو ادعاه من مجهول وشهدا بمعين أو عكسه لم تندفع بحر ، وفيه عن خزانة الأكمل والخانية ، لو أقر المدعي أن رجلا دفعه إليه أو شهدوا على إقراره بذلك فلا خصومة بينهما ، وفيه وأطلق في الغائب فشمل ما إذا كان بعيدا معروفا يتعذر الوصول إليه أو قريبا كما في الخلاصة والبزازية .

( قوله على ما ذكر ) لكن لا تشترط المطابقة لعين ما ادعاه لما في خزانة الأكمل لو شهدوا أن فلانا دفعه إليه ، ولا ندري لمن هو فلا خصومة بينهما ، وأراد بالبرهان وجود حجة سواء كانت بينة أو علم القاضي أو إقرار المدعي كما في الخلاصة ولو لم يبرهن المدعى عليه وطلب يمين المدعي استحلفه القاضي ، فإن حلف على العلم كان خصما ، وإن نكل فلا خصومة كما في خزانة الأكمل بحر .

( قوله أو العين قائمة ) أخذ التقييد من الإشارة بقوله هذا الشيء ، لأن الإشارة الحسية لا تكون إلا إلى موجود في الخارج كما أفاده في البحر وسيأتي محترزه قال في الهامش : عبد هلك في يد رجل ، وأقام رجل البينة أنه عبده وأقام الذي مات في يده أنه أودعه فلان أو غصبه أو آجره لم يقبل ، وهو خصم فإنه يدعي القيمة عليه وإيداع الدين لا يمكن ثم إذا حضر الغائب وصدقه في الإيداع والإجارة والرهن رجع عليه بما ضمن للمدعي . أما لو كان غاصبا لم يرجع وكذا في العارية ، والإباق مثل الهلاك ها هنا فإن عاد العبد يوما يكون عبدا لمن استقر عليه الضمان ا هـ بحر ( قوله نعرفه ) أي الغائب ( قوله أو بوجهه ) فمعرفتهم وجهه فقط كافية عند الإمام بزازية .

( قوله وشرط محمد ) محل الاختلاف فيما إذا ادعاه الخصم من معين بالاسم والنسب ، فشهدا له بمجهول لكن قالا نعرفه بوجهه وأما لو ادعاه من مجهول لم تقبل الشهادة إجماعا كذا في شرح أدب القضاء للخصاف .

( قوله فلو حلف ) لا يخفى أن التفريع غير [ ص: 567 ] ظاهر ، فكان الأولى أن يقول ولم يكتف محمد بمعرفة الوجه فقط يدل عليه قول الزيلعي والمعرفة بوجهه فقط لا تكون معرفة ، ألا ترى إلى { قوله عليه الصلاة والسلام لرجل أتعرف فلانا فقال نعم فقال هل تعرف اسمه ونسبه ؟ فقال لا : فقال إذن لا تعرفه } وكذا لو حلف إلخ ( قوله عن البزازية ) ونقل عنها في البحر .

( قوله دفعت خصومة المدعي ) أي حكم القاضي بدفعها وأفاد أنه لو أعاد المدعي الدعوى عند قاض آخر لا يحتاج المدعى عليه إلى إعادة الدفع بل يثبت حكم القاضي الأول كما صرحوا به . وظاهر قوله دفعت أنه لا يحلف للمدعي أنه لا يلزمه تسليمه إليه ولم أره الآن بحر . وفيه نظر فإنه بعد البرهان كيف يحلف ; أما قبله نقل عن البزازية أنه يحلف على البتات لقد أودعها إليه لا على العلم ، ثم نقل عن الذخيرة أنه لا يحلف لأنه مدع الإيداع ولو حلف لا تندفع بل يحلف المدعي على عدم العلم .

( قوله للملك المطلق ) ومنه دعوى الوقف دعوى غلته كما حرره في البحر أول الفصل الآتي قال في البحر : ولم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى صورة دعوى المدعي ، وأراد بها أن المدعي ادعى ملكا مطلقا في العين ولم يدع على ذي اليد فعلا بدليل ما يأتي من المسائل المقابلة لهذه .

وحاصل جواب المدعى عليه أنه ادعى أن يده يد أمانة أو مضمون والملك للغير ، ولم يذكر برهان المدعي ولا بد منه لما عرف أن الخارج هو المطالب بالبرهان ولا يحتاج المدعى عليه إلى الدفع قبله . وحاصله أن المدعي لما ادعى الملك المطلق فيما في يد المدعى عليه أنكره فطلب من المدعي البرهان فأقامه ولم يقض القاضي به حتى دفعه المدعى عليه بما ذكر وبرهن على الدفع ا هـ ( قوله بالحيل ) بأن يأخذ مال إنسان غصبا ثم يدفعه سرا إلى مريد سفر ويودعه بشهادة الشهود ، حتى إذا جاء المالك وأراد أن يثبت ملكه فيه أقام ذو اليد بينة على أن فلانا أودعه فيبطل حقه كذا في الدرر ح ( قوله في المختار ) وفي المعراج رجع إليه أبو يوسف حين ابتلي بالقضاء ، وعرف أحوال الناس فقال المحتال من الناس يأخذ من إنسان غصبا ثم يدفعه سرا إلى من يريد السفر حتى يودعه بشهادة الشهود حتى إذا جاء المالك وأراد أن يثبت ملكه يقيم ذو اليد بينة على أن فلانا أودعه فيبطل حقه وتندفع عنه الخصومة كذا في المبسوط .

( قوله كما بسط في الدرر ) ذكر هنا أقوال أئمتنا الثلاثة الرابعة قول ابن شبرمة : أنها لا تندفع عنه مطلقا والخامس : قول ابن أبي ليلى تندفع بدون بينة لإقراره بالملك للغائب س .

( قوله وفيه نظر ) فيه نظر لأن وكلني يرجع إلى أودعنيه وأسكنني إلى أعارنيه وسرقته منه إلى غصبته منه وضل منه فوجدته إلى أودعنيه وهي في يدي مزارعة إلى الإجارة أو الوديعة فلا يزاد على الخمس كذا في الهامش .

( قوله بحر ) ذكر في البحر بعد هذا ما نصه ، والأولان راجعان إلى الأمانة والثلاثة الأخيرة إلى الضمان إن لم يشهد في الأخيرة وإلا فإلى الأمانة فالصور عشر وبه علم أن الصور لم تنحصر في الخمس ا هـ ولا يخفى أنه بعد رجوع ما زاده إلى ما ذكر لا محل للاعتراض بعدم الانحصار تأمل .

( قوله أو هي في يدي ) مقتضى كلامه أن هذه العبارة ليست في البحر مع أنها والتي بعدها فيه ح .

( قوله ألحق ) بصيغة الماضي ( قوله قال ) أي في البزازية .

( قوله فلا يزاد ) أي لا تزاد مسألة المزارعة التي زادها [ ص: 568 ] البزازي وقد علمت مما في البحر أنه لا يزاد البقية أيضا ( قوله وقد حررته إلخ ) حيث عمم قوله غصبته منه بقوله ولو حكما فأدخل فيه قوله أو سرقته منه أو انتزعته منه وكذا عمم قوله أودعنيه بقوله : ولو حكما فأدخل فيه الأربعة الباقية ولا يخفى أنه محرر أحسن مما هنا فإنه هنا أرسل الاعتراض ولم يجب عنه إلا في مسألة المزارعة فأوهم خروج ما عداها ذكروه مع أنه داخل فيه كما علمت فافهم .




الخدمات العلمية