الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 181 ] قوله تعالى : اليوم أكملت لكم دينكم

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، عن ابن عباس قال : أخبر الله نبيه والمؤمنين أنه قد أكمل لهم الإيمان فلا يحتاجون إلى زيادة أبدا، وقد أتمه فلا ينقص أبدا، وقد رضيه فلا يسخطه أبدا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، عن قتادة في قوله : اليوم أكملت لكم دينكم قال : أخلص الله لهم دينهم، ونفى المشركين عن البيت، قال : وبلغنا أنها أنزلت يوم عرفة، ووافق يوم جمعة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، عن قتادة في قوله : اليوم أكملت لكم دينكم قال : ذكر لنا أن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة، يوم جمعة، حين نفى الله المشركين عن المسجد الحرام، وأخلص للمسلمين حجهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، عن ابن عباس قال : كان المشركون والمسلمون يحجون جميعا، فلما نزلت (براءة) فنفي المشركون عن البيت الحرام، وحج المسلمون لا يشاركهم في البيت الحرام أحد من المشركين، فكان ذلك من تمام النعمة، وهو قوله : اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي [ ص: 182 ] وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن سعيد بن جبير، في قوله : اليوم أكملت لكم دينكم قال : تمام الحج، ونفي المشركين عن البيت .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، عن الشعبي قال : نزلت هذه الآية : اليوم أكملت لكم دينكم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف بعرفات، وقد أطاف به الناس، وتهدمت منار الجاهلية ومناسكهم، واضمحل الشرك، ولم يطف بالبيت عريان، ولم يحج معه في ذلك العام مشرك، فأنزل الله : اليوم أكملت لكم دينكم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، عن الشعبي قال : نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية وهو بعرفة : اليوم أكملت لكم دينكم قال : وكان إذا أعجبته آيات جعلهن صدر السورة، قال : وكان جبريل يعلم كيف ينسك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحميدي، وأحمد ، وعبد بن حميد ، والبخاري ، ومسلم ، والترمذي ، والنسائي ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن حبان ، والبيهقي في "سننه"، عن طارق بن شهاب قال : قالت اليهود لعمر : إنكم تقرءون آية في كتابكم، لو علينا معشر اليهود نزلت، لاتخذنا ذلك اليوم عيدا، قال : وأي آية؟ قالوا : اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي

                                                                                                                                                                                                                                      قال عمر : والله إني [ ص: 183 ] لأعلم اليوم الذي نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والساعة التي نزلت فيها، نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة في يوم جمعة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج إسحاق بن راهويه في (مسنده)، وعبد بن حميد ، عن أبي العالية قال : كانوا عند عمر، فذكروا هذه الآية، فقال رجل من أهل الكتاب : لو علمنا أي يوم نزلت هذه الآية، لاتخذناه عيدا، فقال عمر : الحمد لله الذي جعله لنا عيدا، واليوم الثاني، نزلت يوم عرفة، واليوم الثاني يوم النحر، فأكمل لنا الأمر، فعلمنا أن الأمر بعد ذلك في انتقاص .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، عن عنترة قال : لما نزلت هذه الآية : اليوم أكملت لكم دينكم وذلك يوم الحج الأكبر، بكى عمر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : (ما يبكيك؟) قال : أبكاني أنا كنا في زيادة من ديننا، فأما إذ كمل، فإنه لم يكمل شيء قط إلا نقص، فقال : (صدقت) .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 184 ] وأخرج ابن جرير ، عن قبيصة بن ذؤيب قال : قال كعب : لو أن غير هذه الأمة نزلت عليهم هذه الآية، لنظروا اليوم الذي أنزلت فيه عليهم فاتخذوه عيدا يجتمعون فيه، فقال عمر : أي آية يا كعب؟ فقال : اليوم أكملت لكم دينكم فقال عمر : قد علمت اليوم الذي أنزلت فيه، والمكان الذي أنزلت فيه، في يوم جمعة، ويوم عرفة، وكلاهما بحمد الله لنا عيد .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطيالسي ، وعبد بن حميد ، والترمذي وحسنه، وابن جرير ، والطبراني ، والبيهقي في (الدلائل)، عن ابن عباس أنه قرأ هذه الآية : اليوم أكملت لكم دينكم فقال يهودي : لو نزلت هذه الآية علينا، لاتخذنا يومها عيدا، فقال ابن عباس : فإنها نزلت في يوم عيدين اثنين : في يوم جمعة يوم عرفة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، عن عيسى بن حارثة الأنصاري قال : كنا جلوسا في الديوان، فقال لنا نصراني : يا أهل الإسلام، لقد أنزلت عليكم آية لو أنزلت علينا لاتخذنا ذلك اليوم وتلك الساعة عيدا ما بقي منا اثنان : اليوم أكملت لكم دينكم فلم يجبه أحد منا، فلقيت محمد بن كعب القرظي فسألته عن ذلك، [ ص: 185 ] فقال : ألا رددتم عليه؟ فقال : قال عمر بن الخطاب : أنزلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو واقف على الجبل يوم عرفة، فلا يزال ذلك اليوم عيدا للمسلمين ما بقي منهم أحد .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، عن داود قال : قلت لعامر الشعبي : إن اليهود تقول : كيف لم تحفظ العرب هذا اليوم الذي أكمل الله لها دينها فيه؟ فقال عامر : أوما حفظته؟ قلت له : فأي يوم هو؟ قال : يوم عرفة، أنزل الله في يوم عرفة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن مردويه ، عن علي، قال : أنزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم عشية عرفة : اليوم أكملت لكم دينكم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، والطبراني ، عن عمرو بن قيس السكوني، أنه سمع معاوية بن أبي سفيان على المنبر ينزع بهذه الآية : اليوم أكملت لكم دينكم حتى ختمها، فقال : نزلت في يوم عرفة، في يوم جمعة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البزار، والطبراني ، وابن مردويه ، عن سمرة قال : نزلت هذه الآية : اليوم أكملت لكم دينكم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو واقف بعرفة يوم الجمعة .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 186 ] وأخرج البزار، بسند صحيح، عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بعرفة : اليوم أكملت لكم دينكم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير بسند ضعيف، عن ابن عباس في قوله : اليوم أكملت لكم دينكم قال : ليس بيوم معلوم عند الناس .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، والطبراني ، وابن مردويه ، والبيهقي في (الدلائل) بسند ضعيف، عن ابن عباس قال : ولد نبيكم يوم الإثنين، ونبئ يوم الإثنين، وخرج من مكة يوم الإثنين، ودخل المدينة يوم الإثنين، وفتح مكة يوم الإثنين، وأنزلت سورة (المائدة) يوم الإثنين : اليوم أكملت لكم دينكم وتوفي يوم الإثنين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه ، والخطيب، وابن عساكر ، بسند ضعيف، عن أبي سعيد الخدري قال : لما نصب رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا يوم غدير خم، فنادى له بالولاية، هبط جبريل عليه بهذه الآية : اليوم أكملت لكم دينكم .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 187 ] وأخرج ابن مردويه ، والخطيب، وابن عساكر بسند ضعيف، عن أبي هريرة قال : لما كان يوم غدير خم، وهو يوم ثماني عشرة من ذي الحجة قال النبي صلى الله عليه وسلم : (من كنت مولاه فعلي مولاه)، فأنزل الله : اليوم أكملت لكم دينكم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، عن السدي في قوله : اليوم أكملت لكم دينكم قال : هذا نزل يوم عرفة، فلم ينزل بعدها حلال ولا حرام، ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمات، فقالت أسماء بنت عميس : حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الحجة، فبينما نحن نسير إذ تجلى له جبريل على الراحلة، فلم تطق الراحلة من ثقل ما عليها من القرآن فبركت، فأتيته فسجيت عليه بردا كان علي .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، عن ابن جريج ، قال : مكث النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما نزلت هذه الآية إحدى وثمانين ليلة، قوله : اليوم أكملت لكم دينكم

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية