الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( وأما بيع ما يتخذ منه بعضه ببعض فإنه إن باع السمن بالسمن جاز ، ; لأنه لا يخالطه غيره ، قال الشافعي - رحمه الله - : ( والوزن فيه أحوط ) وقال أبو إسحاق : يباع كيلا ، ; لأن أصله الكيل ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) يجوز بيع السمن بالسمن ، وممن جزم به ابن أبي هريرة والشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب والمحاملي والماوردي وابن الصباغ والقاضي حسين والرافعي لما ذكره المصنف ; لأنه لا يدخر ولا يتأثر بالنار ، وأطلق كثيرون المسألة ، ولم يحكوا فيها خلافا ، وحكى الماوردي وجها أن الجامد لا يباع بعضه ببعض . لأن أصله الكيل وهو متعذر في هذه الحالة ، وهذا الوجه مردود مخالف لإطلاق الشافعي والأصحاب ، وصورة المسألة في السمن بالسمن من جنس واحد كسمن الغنم بسمن الغنم ، أما سمن الغنم بسمن البقر فقد حكينا خلافا في كون الأسمان جنسا أو أجناسا فعلى الأول الحكم كذلك ، وعلى الثاني يجوز يدا بيد ، وهو الذي أورده الصيمري في شرح الكفاية ، أي وإن كان متفاضلا ، وإذا بيع السمن بالسمن يباع وزنا على الصحيح ، ونص عليه الشافعي كما قاله المصنف . وقد صرح الشافعي - رحمه الله - في باب الاجتهاد من كتاب الرسالة أن السمن والعسل والزيت والسكر موزونات ، وقال أبو عبيد في غريب الحديث : إن السمن عند أهل المدينة بالوزن واستدل هو والشافعي على ذلك بأثر نقلاه عن عمر رضي الله عنه .

                                      ( فرع ) قال الشافعي رضي الله عنه في الأم ، في باب جماع السلف في الوزن ( لا بأس أن يسلف في شيء وزنا ، وإن كان يباع كيلا ، ولا في شيء [ ص: 454 ] يباع كيلا ، وإن كان يباع وزنا إذا كان لا يتجافى في المكيال مثل الزيت الذي هو ذائب إن كان يباع في المدينة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده وزنا فلا بأس أن يسلف فيه كيلا ، وإن كان يباع كيلا فلا بأس أن يسلف فيه وزنا ، ومثل السمن والعسل وما أشبهه من الآدام ، فإن قال قائل : فكيف كان يباع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم قلنا : الله أعلم ، أما الذي أدركنا المتبايعين به عليه فأما ما قل منه فيباع كيلا ، والجملة الكبيرة تباع وزنا ، ودلالة الأخبار على مثل ما أدركنا الناس عليه ، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه " لا آكل سمنا مادام السمن يباع بالأواقي " وتشبه الأواقي أن تكون كيلا ) انتهى كلام الشافعي رضي الله عنه . وفي قوله : وتشبه الأواقي أن تكون كيلا نظر ، وقد قال الشافعي في الأم في باب الآجال ما يمكن أن يتمسك بظاهره في أن السمن مكيل ، فإنه قال : ولا يجوز اللبن باللبن إلا مثلا بمثل ، كيلا بكيل ، يدا بيد ، وتكلم في أجناس الألبان وأحكامها . ثم قال بعد ذلك : والسمن مثل اللبن ، فظاهره أنه مثله في جميع الأحكام المذكورة ، ومن جملتها الكيل ، لكن تصريح الشافعي الذي تقدمت حكايته مقدم على هذا الظاهر ، ومبين أن ذلك غير عائد إلى جميع ما تقدم في كلام الشافعي والله أعلم . وفصل القاضي حسين بين أن يكون ذائبا أو جامدا فإن كان جامدا يباع وزنا ، وإن كان ذائبا يباع كيلا ، وتبعه على ذلك صاحب التهذيب والرافعي ، وقال : إنه توسط بين وجهين أطلقهما العراقيون ، فحكوا عن المنصوص أنه يوزن ، وعن أبي إسحاق أنه يكال ، واستحسنه في الشرح الصغير ، والماوردي جزم في الذائب بالكيل ، وحكى في الجامد وجهين ( أحدهما ) لا يجوز بيع بعضه ببعض ; لأن أصله الكيل ( والثاني ) يجوز وزنا ; لأن الوزن أخصر والكيل فيه متعذر .



                                      ( فرع ) قال الشافعي في الأم ولا خير في سمن غنم بزبد بحال ; لأن السمن من الزبد يقع متفاضلا أو مجهولا وهما مكيلان أو موزونان في الحال التي يتبايعان ومن صنف واحد .

                                      [ ص: 455 ] فائدة : الأسمان أجناس مختلفة ، نص عليه الشافعي في الأم في تفريع الزيت من العسل ، وقد تقدم قول صاحب الرونق في حكاية القولين فيها ، وقال الروياني : إن سمن الغنم وسمن البقر يجب أن يكونا على قولين كالألبان ، والذي قاله الروياني متعين ; لأنا إذا قلنا : الألبان جنس واحد لزمه أن تكون الأسمان كذلك ، للاتحاد في الاسم والأصل ، وقد تقدم عن الذخائر أن السمن مخالف لسائر الأدهان ، فلا خلاف ، أي سواء قلنا : الأدهان جنس أو أجناس ; والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية