الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا

                                                                                                                                                                                                                                      ومن يكسب خطيئة صغيرة أو ما لا عمد فيه من الذنوب، وقرئ "ومن يكسب" بكسر الكاف وتشديد السين وأصله يكتسب. أو إثما كبيرة أو ما كان من عمد. ثم يرم به أي: يقذف به ويسنده وتوحيد الضمير مع تعدد المرجع لمكان "أو" وتذكيره لتغليب الإثم على الخطيئة كأنه قيل: ثم يرم بأحدهما، وقرئ "يرم بهما". وقيل: الضمير للكسب المدلول عليه بقوله تعالى: يكسب و"ثم" للتراخي في الرتبة. بريئا أي: مما رماه به ليحمله عقوبته العاجلة كما فعله طعمة بزيد. فقد احتمل أي: بما فعل من تحميل جريرته على البريء. بهتانا وهو الكذب على الغير بما يبهت منه ويتحير عند سماعه لفظاعته وهوله. وقيل: هو الكذب الذي يتحير في عظمه. وإثما مبينا أي: بينا فاحشا وهو صفة لـ"إثما" وقد اكتفي في بيان عظم البهتان بالتنكير التفخيمي، [ ص: 231 ] كأنه قيل: بهتانا لا يقادر قدره وإثما مبينا على أن وصف الإثم بما ذكر بمنزلة وصف البهتان به لأنهما عبارة عن أمر واحد هو رمى البريء بجناية نفسه قد عبر عنه بهما تهويلا لأمره وتفظيعا لحاله فمدار العظم والفخامة كون المرمي به للرامي فإن رمى البريء بجناية ما خطيئة كانت أو إثما بهتان وإثم في نفسه، أما كونه بهتانا فظاهر، وأما كونه إثما فلأن كون الذنب بالنسبة إلى من فعله خطيئة لا يلزم منه كونه بالنسبة إلى من نسبه إلى البريء منه أيضا كذلك بل لا يجوز ذلك قطعا. كيف لا؟ وهو كذب محرم في جميع الأديان فهو في نفسه بهتان وإثم لا محالة، وبكون تلك الجناية للرامي يتضاعف ذلك شدة ويزداد قبحا لكن لا لانضمام جنايته المكسوبة إلى رمى البريء وإلا لكان الرمي بغير جناية مثله في العظم ولا لمجرد اشتماله على تبرئة نفسه الخاطئة وإلا لكان الرمي بغير جناية مع تبرئة نفسه كذلك في العظم بل لاشتماله على قصد تحميل جنايته على البريء وإجراء عقوبتها عليه كما ينبئ عنه إيثار الاحتمال على الاكتساب ونحوه لما فيه من الإيذان بانعكاس تقديره على ما فيه من الإشعار بثقل الوزر وصعوبة الأمر ، نعم بما ذكر من انضمام كسبه وتبرئة نفسه إلى رمى البريء تزداد الجناية قبحا لكن تلك الزيادة وصف للمجموع لا للإثم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية