الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        فصل في تكبيرات التشريق ( ويبدأ بتكبير التشريق بعد صلاة الفجر من يوم عرفة ، ويختم عقيب [ ص: 266 ] صلاة العصر من يوم النحر ) عند أبي حنيفة رحمه الله ، وقالا : يختم عقيب صلاة العصر من آخر أيام التشريق ، والمسألة مختلفة بين الصحابة ، فأخذا بقول علي رضي الله عنه أخذا بالأكثر ، إذ هو الاحتياط في العبادات ، وأخذ بقول ابن مسعود أخذا بالأقل ; لأن الجهر بالتكبير بدعة ، [ ص: 267 - 268 ] والتكبير أن يقول مرة واحدة : الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله ، والله أكبر ، الله أكبر ولله الحمد ، هذا هو المأثور عن الخليل صلوات الله عليه( وهو عقيب الصلوات المفروضات على المقيمين في الأمصار في الجماعات المستحبة عند أبي حنيفة رحمه الله ، وليس على جماعات النساء إذا لم يكن معهن رجل ، ولا على جماعة المسافرين إذا لم يكن معهم مقيم ، وقالا : هو على كل من صلى المكتوبة ) لأنه تبع للمكتوبة . وله ما روينا من قبل ، والتشريق هو التكبير ، كذا نقل عن الخليل بن أحمد ، ولأن الجهر بالتكبير خلاف السنة ، والشرع ورد به عند استجماع هذه الشرائط ، إلا أنه يجب على النساء إذا اقتدين بالرجال ، وعلى المسافرين عند اقتدائهم بالمقيم بطريق التبعية .

                                                                                                        قال يعقوب رحمه الله : صليت بهم المغرب يوم عرفة فسهوت أن أكبر ، فكبر أبو حنيفة رضي الله عنه ، دل أن الإمام وإن ترك التكبير لا يتركه المقتدى ، وهذا لأنه لا يؤدي في حرمة الصلاة ، فلم يكن الإمام فيه حتما ، وإنما هو مستحب .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        فصل في تكبيرات التشريق قوله : ويبدأ بتكبير التشريق بعد صلاة الفجر من يوم عرفة ، ويختم عقيب صلاة [ ص: 266 ] العصر من يوم النحر ، عند أبي حنيفة ، وقالا : يختم عقيب صلاة العصر من آخر أيام التشريق ، والمسألة مختلفة بين الصحابة رضي الله عنهم ، فأخذا بقول علي أخذا بالأكثر ، إذ هو الاحتياط في العبادات ، وأخذ هو بقول ابن مسعود أخذا بالأقل ; لأن الجهر بالتكبير بدعة ، قلت : أما حديث علي ، فرواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا حسين بن علي عن زائدة عن عاصم عن شقيق عن علي ، أنه كان يكبر بعد صلاة الفجر يوم عرفة ، إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق ، ويكبر بعد العصر انتهى . ورواه محمد بن الحسن في " الآثار " أخبرنا أبو حنيفة رحمه الله عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فذكره . وأما حديث ابن مسعود ، فرواه ابن أبي شيبة أيضا ، حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن أبي الأسود ، قال : كان عبد الله يكبر من صلاة الفجر يوم عرفة ، إلى صلاة العصر من يوم النحر ، يقول : " الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله ، والله أكبر الله أكبر ، ولله الحمد . انتهى . حدثنا ابن مهدي عن سفيان عن غيلان بن جامع عن عمرو بن مرة عن أبي وائل عن عبد الله أنه كان يكبر من صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من يوم النحر . انتهى .

                                                                                                        وأخرج الدارقطني في " سننه " عن ابن عمر وأبي سعيد الخدري . وزيد بن ثابت وعثمان بن عفان ، بأسانيد عدة ، أنهم كانوا يكبرون بعد الظهر من يوم النحر ، إلى الظهر من آخر أيام التشريق . انتهى .

                                                                                                        أحاديث الباب المرفوعة : أخرج الحاكم في " المستدرك " عن سعيد بن عثمان الخراز ثنا عبد الرحمن بن سعيد المؤذن ثنا فطر بن خليفة عن أبي الطفيل عن علي وعمار ، قالا [ ص: 267 ] { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر في المكتوبات ببسم الله الرحمن الرحيم وكان يقنت في صلاة الفجر ، وكان يكبر من يوم عرفة صلاة الغداة ، ويقطعها صلاة العصر ، آخر أيام التشريق }انتهى .

                                                                                                        وقال : حديث صحيح الإسناد ، لا أعلم في رواته منسوبا إلى الجرح ، وقد روى في الباب عن جابر بن عبد الله وغيره ، فأما من فعل عمر وابن مسعود وابن عباس ، فصحيح ، ثم ساق الروايات عنهم ، وتعقبه الذهبي في " مختصره " ، فقال : إنه خبر واه ، كأنه موضوع ، فإن عبد الرحمن صاحب مناكير ، وسعيد : إن كان الكريزي ، فهو ضعيف ، وإلا فهو مجهول . انتهى .

                                                                                                        وعن الحاكم رواه البيهقي في " المعرفة " ، وقال : إسناده ضعيف . انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه الدارقطني في " سننه " عن عمرو بن شمر عن جابر الجعفي عن محمد بن علي عن جابر بن عبد الله ، قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر في صلاة الفجر يوم عرفة ، إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق ، حين يسلم من المكتوبات }. انتهى .

                                                                                                        ثم أخرجه عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين وعبد الرحمن بن سابط عن جابر بن عبد الله ، قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح من غداة عرفة أقبل على أصحابه ، فيقول : على مكانكم ، ويقول : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد ، فيكبر من غداة عرفة إلى صلاة العصر ، من آخر أيام التشريق }. انتهى .

                                                                                                        قال ابن القطان : جابر الجعفي سيئ الحال ، وعمرو بن شمر أسوأ حالا منه ، بل هو من الهالكين ، قال السعدي : عمرو بن شمر زائغ كذاب ، وقال الفلاس : واه ، قال البخاري وأبو حاتم : منكر الحديث ، زاد أبو حاتم : وكان رافضيا ، يسب الصحابة ، روى في " فضائل أهل البيت " أحاديث موضوعة ، فلا ينبغي أن يعلل الحديث ، إلا بعمرو بن شمر ، مع أنه قد اختلف عليه فيه ، فرواه عنه سعيد بن عثمان وأسيد بن زيد ، فقالا : عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي الطفيل عن علي وعمار ، ورواه مصعب بن سلام عن عمرو بن شمر ، فقال فيه : [ ص: 268 ] عن جابر عن أبي جعفر محمد بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب عن أبيه ، علي بن حسين ، عن جابر بن عبد الله .

                                                                                                        وروى محفوظ بن نصر عن عمرو بن شمر عن جابر عن محمد بن علي عن جابر ، فأسقط من الإسناد ، علي بن حسين ، وهكذا رواه عن عمرو بن شمر ، رجل يقال له : نائل بن نجيح ، وقرن بأبي جعفر عبد الرحمن بن سابط ، وزاد في " المتن " كيفية التكبير . انتهى كلامه مخلصا محررا .

                                                                                                        قوله : والتكبير أن يقول مرة واحدة : " الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله ، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد " ، وهذا هو المأثور عن الخليل عليه السلام ، قلت : لم أجده مأثورا عن الخليل ، وقد تقدم مأثورا عن ابن مسعود ، عند ابن أبي شيبة ، بسند جيد ، ورواه أيضا ، حدثنا وكيع عن حسن بن صالح عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله ، أنه كان يكبر أيام التشريق ، " الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله ، والله أكبر الله أكبر ، ولله الحمد " ، انتهى .

                                                                                                        حدثنا يزيد بن هارون ثنا شريك ، قال : قلت لأبي إسحاق : كيف كان يكبر علي وعبد الله ؟ قال : كانا يقولان : " الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله ، والله أكبر الله أكبر ، ولله الحمد " . انتهى .

                                                                                                        حدثنا جرير عن منصور عن إبراهيم ، قال : كانوا يكبرون يوم عرفة ، وأحدهم مستقبل القبلة ، في دبر الصلاة " الله أكبر الله [ ص: 269 ] أكبر لا إله إلا الله ، والله أكبر الله أكبر ، ولله الحمد " . انتهى .

                                                                                                        وتقدم في حديث جابر مرفوعا نحوه ، عند الدارقطني بسند ضعيف .

                                                                                                        أحاديث عيدين اجتمعا : أخرج أبو داود والنسائي عن { زيد بن أرقم ، قال : شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم عيدين اجتمعا ، فصلى العيد ، ثم رخص في الجمعة ، فقال : من شاء أن يصلي ، فليصل }. انتهى .

                                                                                                        قال النووي في " الخلاصة " : إسناده حسن .

                                                                                                        أثر عن عطاء ، قال : { صلى ابن الزبير العيد يوم جمعة أول النهار ، ثم رحنا إلى الجمعة ، فلم يخرج إلينا ، فصلينا وحدانا ، وكان ابن عباس بالطائف ، فلما قدم ذكرنا ذلك له ، فقال : أصاب السنة } ، أخرجه أبو داود ، قال النووي : سنده على شرط مسلم .

                                                                                                        أثر آخر : عن عثمان بن عفان أنه خطب يوم عيد ، فقال : يأيها الناس ، إن هذا يوم قد اجتمع لكم فيه عيدان ، فمن أحب أن ينتظر الجمعة من أهل العوالي ، فلينتظر ، ومن أحب أن يرجع ، فقد أذنت له ، أخرجه البخاري في حديث طويل .




                                                                                                        الخدمات العلمية