الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              736 (باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع )

                                                                                                                              ومثله في النووي .

                                                                                                                              (حديث الباب )

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 194 ج4 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن عطية بن قيس، ، عن قزعة، ، عن أبي سعيد الخدري، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع قال: "ربنا لك الحمد. ملء السماوات والأرض. وملء ما شئت من شيء بعد. أهل الثناء والمجد! أحق ما قال العبد. وكلنا لك عبد: اللهم! لا مانع لما أعطيت. ولا معطي لما منعت. ولا ينفع ذا الجد منك الجد" . ]

                                                                                                                              [ ص: 385 ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              [ ص: 385 ] (الشرح)

                                                                                                                              (عن أبي سعيد الخدري ) ؛ رضي الله عنه: (قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع قال: "ربنا لك الحمد ملء السماوات؛ والأرض ؛ وملء ما شئت من شيء بعد" ) .

                                                                                                                              (ملء ) : هو بنصب الهمزة، ورفعها؛ والنصب أشهر. وهو الذي اختاره ابن خالويه، ورجحه، وأطنب في الاستدلال له.

                                                                                                                              وجوز الرفع، على أنه مرجوح.

                                                                                                                              وحكي عن الزجاج: أنه يتعين الرفع. ولا يجوز غيره. وبالغ في إنكار النصب.

                                                                                                                              وقد ذكر النووي جميع ذلك بدلائله، مختصرا، في "تهذيب الأسماء واللغات".

                                                                                                                              قال العلماء: معناه: حمدا، لو كان أجساما لملأ السماوات والأرض.

                                                                                                                              "أهل الثناء والمجد!" أهل، منصوب على النداء. هذا هو المشهور. وجوز بعضهم رفعه على تقدير: أنت أهل الثناء. والمختار: النصب.

                                                                                                                              (والثناء ) : الوصف الجميل، والمدح.

                                                                                                                              [ ص: 386 ] (والمجد ) : العظمة، ونهاية الشرف. هذا هو المشهور في الرواية في مسلم وغيره.

                                                                                                                              قال القاضي: ووقع في رواية ابن ماهان: "أهل الثناء والحمد!" وله وجه. ولكن الصحيح المشهور الأول.

                                                                                                                              "أحق ما قال العبد. وكلنا لك عبد". هكذا هو في مسلم وغيره: (أحق ) بالألف "و كلنا" بالواو.

                                                                                                                              وأما ما وقع في كتب الفقه: (حق ما قال العبد: كلنا ) بحذف الألف والواو. فغير معروف من حيث الرواية. وإن كان كلاما صحيحا.

                                                                                                                              وعلى الرواية المعروفة تقديره: أحق قول العبد: "لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد".

                                                                                                                              واعترض بينهما "وكلنا لك عبد". ومثل هذا الاعتراض في القرآن قول الله تعالى:

                                                                                                                              فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون .

                                                                                                                              اعترض قوله تعالى: وله الحمد في السماوات والأرض .

                                                                                                                              ومثله قوله تعالى: قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت على قراءة من قرأ "وضعت بفتح العين، وإسكان التاء.

                                                                                                                              [ ص: 387 ] ونظائره كثيرة. ومنه قول الشاعر:


                                                                                                                              ألم يأتيك والأنباء تنمي بما لاقت لبون بني زياد



                                                                                                                              وقول الآخر:


                                                                                                                              الأهل أتاها والحوادث جمة بأن امرأ القيس بن يملك يبقرا

                                                                                                                              ونظائره كثيرة.

                                                                                                                              وإنما يعترض ما يعترض من هذا الباب، للاهتمام به. وارتباطه بالكلام السابق. وتقديره هنا: أحق قول العبد: (لا مانع لما أعطيت؛ وكلنا لك عبد ) . فينبغي لنا أن نقوله.

                                                                                                                              وقد أوضح هذه المسألة النووي ، بشواهدها، في آخر صفة الوضوء.

                                                                                                                              من "شرح المهذب.

                                                                                                                              وفي هذا الكلام دليل ظاهر، على فضيلة هذا اللفظ. فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى: أن هذا أحق ما قاله العبد.

                                                                                                                              فينبغي أن نحافظ عليه. لأن كلنا عبد، ولا نهمله ) .

                                                                                                                              وإنما كان أحق ما قاله العبد. لما فيه من التفويض إلى الله تعالى، والإذعان له، والاعتراف بوحدانيته، والتصريح بأنه: (لا حول ولا قوة إلا به ) . وأن الخير والشر منه. والحث على الزهادة في الدنيا، والإقبال على الأعمال الصالحة.

                                                                                                                              [ ص: 388 ] "وذا الجد" المشهور فيه فتح الجيم. هكذا ضبطه العلماء المتقدمون والمتأخرون.

                                                                                                                              قال ابن عبد البر: ومنهم من رواه بالكسر. وقال الطبري: هو بالفتح. قال: وقاله الشيباني بالكسر. قال: وهذا خلاف ما عرفه أهل النقل. ولا يعلم من قاله غيره.

                                                                                                                              وضعف الطبري ومن بعده "الكسر". وقالوا: ومعناه على ضعفه:

                                                                                                                              الاجتهاد.

                                                                                                                              أي: لا ينفع ذا الاجتهاد منك اجتهاده. إنما ينفعه، وينجيه رحمتك. وقيل: المراد: الجد، والسعي التام؛ في الحرص على الدنيا..

                                                                                                                              وقيل: معناه: الإسراع في الهرب. أي: لا ينفع ذا الإسراع في الهرب منك هربه. فإنه في قبضتك وسلطانك.

                                                                                                                              والصحيح المشهور: الجد. بالفتح. وهو الحظ، والغنى؛ والسلطان.

                                                                                                                              أي لا ينفع ذا الحظ في الدنيا بالمال، والولد، والعظمة، والسلطان، منك حظه. أي: لا ينجيه حظه منك.

                                                                                                                              وإنما ينفعه، وينجيه "العمل الصالح". كقوله تعالى:

                                                                                                                              المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا

                                                                                                                              والله أعلم بالصواب.




                                                                                                                              الخدمات العلمية