الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( كتاب الجعالة )

                                                                                                                              ( هي ) بتثليث الجيم كالجعل ، والجعيلة لغة ما يجعله الإنسان لغيره على شيء بفعله وأصلها قبل الإجماع أحاديث رقية الصحابي وهو أبو سعيد الخدري رضي الله عنه اللديغ بالفاتحة على ثلاثين رأسا من الغنم في الصحيحين وغيرهما واستنبط منها البلقيني وتبعه الزركشي جوازها على ما ينتفع به المريض من دواء أو رقية وعقبت هنا للقيط لأنها طلب لالتقاط الضالة وفي الروضة وغيرها للإجارة لأنها عقد على عمل نعم تفارقها في جوازها على عمل مجهول وصحتها مع غير معين وكونها جائزة وعدم استحقاق العامل تسليم الجعل إلا بعد تسليم العمل فلو شرط تعجيله فسد المسمى ووجبت أجرة المثل [ ص: 364 ] فإن سلمه بلا شرط لم يجز تصرفه فيه على الأوجه ويفرق بينه وبين الإجارة بأنه ثم ملكه بالعقد وهنا لا يملكه إلا بالعمل وشرعا الإذن في عمل معين أو مجهول لمعين أو مجهول بمقابل ( كقوله ) أي مطلق التصرف المختار ( من رد آبقي ) أو آبق زيد كما سيصرح به ( فله كذا ) [ ص: 365 ] أو رده ولك كذا والأوجه أنه لا يشترط أن يقول علي ولا نيته واحتمل إيهام العامل لأنه قد لا يعرف راغبا في العمل وكقول من حبس ظلما لمن يقدر على خلاصه وإن تعين عليه على المعتمد إن خلصتني فلك كذا بشرط أن يكون في ذلك كلفة تقابل بأجرة عرفا .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( كتاب الجعالة )

                                                                                                                              ( قوله من دواء أو رقية ) أي بشرط أن يكون في ذلك كلفة كما هو ظاهر ثم ينبغي أن يقال إن جعل الشفاء غاية لذلك كلتداوني إلى الشفاء أو لترقني إلى الشفاء فإن فعل ووجد الشفاء استحق الجعل وإن فعل ولم [ ص: 364 ] يحصل الشفاء لم يستحق شيئا لعدم وجود المجاعل عليه وهو المداواة والرقية إلى الشفاء وإن لم يجعل الشفاء غاية لذلك كلتقرأ على علتي الفاتحة سبعا مثلا استحق بقراءتها سبعا ؛ لأنه لم يقيد بالشفاء ولو قال لترقيني ولم يزد أو زاد من علة كذا فهل يتقيد الاستحقاق بالشفاء فيه نظر وقد يؤخذ من قوله في مسألة المداواة الآتي في الفرع قبيل ولو اشترك اثنان وإلا فأجرة المثل فساد الجعالة هنا ووجوب أجرة المثل فليحرر ( قوله فإن سلمه بلا شرط لم يجز تصرفه فيه ) قال بعض المشايخ أي من حيث كونه جعلا أما من حيث رضا المالك الدافع الذي تضمنه التسليم فيجوز التصرف فيه أقول هو مسلم في التصرف فيه بالانتفاع به بنحو أكله أو لبسه أما التصرف فيه بنقل الملك كبيعه وهبته فلا يجوز لعدم الملك الذي يتوقف عليه ذلك ، ولو أتلفه بنحو أكله فهل يضمنه الوجه أنه يضمنه ؛ لأنه لم يسلمه له مجانا بل على أنه عوض وهل له رهنه ؛ لأن تسليم المالك إياه عن الجعل يتضمن الرضا بذلك ويكون مضمونا كما تقدم أو لا ؛ لأن قبضه عن الجعالة فاسد لعدم ملكه واستحقاق قبضه فيه نظر .

                                                                                                                              ( قوله لم يجز تصرفه فيه ) اعتمده م ر ( قوله لمعين إلخ ) متعلق بالإذن ش ( قوله في المتن كقوله من رد آبق إلخ ) قال في الخادم هل تجري الجعالة في رد الزوجة ؟ هذه مسألة مهمة لم يصرحوا بها وقد يتوقف فيها من جهة أن الحر لا يدخل تحت اليد لكن في كلام الرافعي في باب الضمان ما يؤخذ منه الجواز حيث قال تصح الكفالة ببدن المرأة لمن ثبتت زوجيته ؛ لأن الحضور مستحق عليها كما تصح الكفالة ببدن عبد آبق لمالكه ا هـ فلو كانت أمة فجعل السيد لشخص جعلا على ردها وجعل الزوج جعلا آخر فمن سبق منهما استحقه فإن رداها معا استحق كل واحد نصف ما شرطه له ا هـ وما ذكره في الحرة فيه نظر للفرق بين ما هنا وثم ؛ لأن الكفالة تتوقف على إذنها للكفيل فإذا تكفل بها بعد إذنها وجب عليها الحضور إذا طلبه بخلاف ما نحن فيه فإنه لا إذن يسلطه وهي لا تدخل تحت اليد فلا تصح المجاعلة على ردها نعم إن وكله الزوج في ردها أي ولم يجعل أو أذن الحاكم في ردها جاز وهذا غير الجعالة نعم قد يقال في الأولى شائبة جعالة وأما ما ذكره في الأمة ففي صحة مجاعلة الزوج على ردها نظر ؛ لأنها وإن دخلت تحت اليد في نفسها إلا أنها من حيث إنها زوجة لا تدخل تحت اليد كما صرحوا به ولا علاقة للزوج بها إلا من حيث الزوجية فالمتجه عدم صحة مجاعلة الزوج عليها كالحرة فليتأمل ، وقال في الخادم لا تنحصر صورها فيما ذكره المصنف بل لو قال شخص إن رددت عليك عبدك فلي كذا فيقول نعم صح كما أشار إليه الرافعي في مسألة الصلح ا هـ أقول وينبغي انعقادها أيضا بقوله أرد عبدك أو أنا راد عبدك بكذا فيقول افعل مثلا .

                                                                                                                              ( فرع )

                                                                                                                              في شرح م ر لو قال من رد عبدي فله درهم قبله بطل قاله الغزالي في كتاب الدور ا هـ .

                                                                                                                              ( فرع ) آخر : قال أحد الشريكين في عبد من رد عبدي فله دينار فرده الشريك الآخر استحق عليه جميع الدينار كما في شرح م ر قال في التقرير ؛ لأنه رد عبده ؛ لأن إضافة العبد إليه للتعريف والمجاعلة على ملكه منه ا هـ أقول وينبغي أن يكون في ضمان الراد غير الشريك نصف الشريك ما قيل في [ ص: 365 ] الرد لعبد بغير إذن مالكه كما قدمته عن شرح الروض نقلا عن الماوردي والإمام ( قوله والأوجه ) أي كما اقتضاه إطلاق المصنف بل صرح به الخوارزمي



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( كتاب الجعالة )

                                                                                                                              ( قوله بتثليث الجيم ) إلى قوله نعم في المغني وإلى قوله واستعيد في النهاية إلا قوله أو رده ولك كذا وقوله ولا نيته ( قوله بتثليث الجيم ) لم يبينوا الأفصح ولعله الكسر لاقتصار الجوهري عليه ا هـ ع ش ( قوله اللديغ بالفاتحة إلخ ) متعلق بالرقية ( قوله في الصحيحين إلخ ) نعت قوله أحاديث إلخ ( قوله منها ) أي الأحاديث ( قوله جوازها ) أي الجعالة ( قوله من دواء أو رقية ) أي بشرط أن يكون في ذلك كلفة كما هو ظاهر ثم ينبغي أن يقال إن جعل الشفاء غاية لذلك كلتداوني إلى الشفاء أو لترقيني إلى الشفاء فإن فعل ووجد الشفاء استحق الجعل وإن فعل ولم يحصل الشفاء لم يستحق شيئا لعدم وجود المجاعل عليه وهو المداواة والرقية إلى الشفاء وإن لم يجعل الشفاء غاية لذلك كلتقرأ على علتي الفاتحة سبعا مثلا استحق بقراءتها سبعا لأنه لم يقيد بالشفاء ولو قال لترقيني ولم يزد أو زاد من علة كذا فهل يتقيد الاستحقاق بالشفاء ؟ فيه نظر وقد يؤخذ من قوله في مسألة المداواة الآتية في الفرع قبيل ولو اشترك اثنان وإلا فأجرة المثل فساد الجعالة هنا ووجوب أجرة المثل فليحرر سم على حج ا هـ ع ش وهذا كما يفيده أول كلامه إذا لم يعين العمل كقراءة الفاتحة سبعا وكالتداوي بالدواء الفلاني سبعة أيام وإلا فالظاهر أنه يستحق المسمى وإن لم يحصل الشفاء .

                                                                                                                              ( قوله وعقبت هنا ) عبارة المغني وذكرها تبعا للجمهور بعد باب اللقيط ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله تسليم الجعل ) أي تسليم المجاعل الجعل له ولو حذف لفظ تسليم هنا وفيما يأتي كما في النهاية لكان أولى ( قوله فلو شرط تعجيله ) ولو قال من رد عبدي فله درهم قبله بطل قاله الغزالي في كتاب الدرر ا هـ نهاية قال ع ش قوله م ر قبله أي قبل الرد وقوله م ر [ ص: 364 ] بطل أي العقد لشرط تعجيل الجعل ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله فإن سلمه ) أي الجعل قبل الفراغ سواء كان قبل الشروع في العمل أو بعده ا هـ ع ش ( قوله ولم يجز تصرفه فيه ) قال بعض المشايخ أي من حيث كونه جعلا أما من حيث رضا المالك الدافع الذي تضمنه التسليم فيجوز التصرف فيه أقول هو مسلم في التصرف فيه بالانتفاع به بنحو أكله أو لبسه أما التصرف فيه بنقل الملك كبيعه وهبته فلا يجوز لعدم الملك الذي يتوقف عليه ذلك ، ولو أتلفه بنحو أكله فالوجه أنه يضمنه لأنه لم يسلمه له مجانا بل على أنه عوض وهل له رهنه أو لا فيه نظر سم على حج أقول قياس ما قدمته من منع بيعه منع رهنه ا هـ ع ش .

                                                                                                                              ( قوله ويفرق بينه ) أي عقد الجعالة ( قوله بأنه ) أي العامل ( ثم ) أي في الإجارة ( ملكه ) أي العوض ( بالعقد وهنا لا يملكه إلخ ) قد يقال لم ( قوله وشرعا ) عطف على لغة لكن من غير ملاحظة قوله كالجعل والجعيلة عبارة المغني والنهاية وهي لغة اسم لما يجعل إلخ وكذا الجعل والجعيلة وشرعا التزام عوض معلوم إلخ وهي أحسن ( قوله لمعين ) متعلق بالإذن ش ا هـ سم ( قوله بمقابل ) أي معلوم متعلق بعمل قول المتن ( كقوله من رد إلخ ) قال سم بعد أن ذكر أولا عن الخادم عن الرافعي جواز الجعالة في رد الزوجة الحرة والأمة ثم النظر فيه ما نصه : فالمتجه عدم صحة مجاعلة الزوج عليها [ ص: 365 ] أي الزوجة الأمة كالحرة وقال في الخادم لا تنحصر صورها فيما ذكره المصنف بل لو قال شخص إن رددت عليك عبدك فلي كذا فيقول نعم صح كما أشار إليه الرافعي في مسألة الصلح ا هـ أقول وينبغي انعقادها أيضا بقوله أرد عبدك أو أنا راد عبدك بكذا فيقول افعل مثلا ا هـ وقال ع ش ما نصه وفي كلام سم بعد كلام طويل جواز الجعالة على رد الزوجة من عند أهلها نقلا عن الرافعي ثم توقف فيه وأقول الأقرب ما قاله الرافعي وهو قياس ما أفتى به المصنف فيمن حبس ظلما إلخ ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله أو رده ) إلى قوله واستفيد في المغني إلا قوله ولا نيته ( قوله والأوجه إلخ ) كما اقتضاه إطلاق المصنف بل صرح به الخوارزمي ا هـ سم .

                                                                                                                              ( قوله وكقول من إلخ ) عطف على كقوله في المتن ( قوله من حبس ظلما ) مفهومه أنه إذا حبس بحق لا يستحق ما جعل له ولا يجوز له ذلك وينبغي أن يقال فيه تفصيل وهو أن المحبوس إن جاعل العامل على أن يتكلم مع من يطلقه على وجه جائز كأن تكلم معه على أن ينظره الدائن إلى بيع غلاته مثلا جاز له ذلك واستحق ما جعل له وإلا فلا ووقع السؤال في الدرس عما يقع بمصرنا من أن الزياتين والطحانين ونحوهم كالمراكبية يجعلون لمن يمنع عنهم المحتسب وأعوانه في كل شهر كذا هل ذلك من الجعالة أم لا ؟ والجواب عنه أنه من الجعالة الفاسدة فيستحق أجرة المثل لما عمله نظير ما يأتي في إن حفظت مالي إلخ ا هـ ع ش ( قوله لمن يقدر إلخ ) بجاهه أو غيره نهاية ومغني قال ع ش قضيته أنه إذا تكلم في خلاصه استحق الجعل وإن لم يتفق إطلاق المحبوس بكلامه لكن في كلام سم فيما لو جاعله على الرقية أو المداواة أنه إن جعل الشفاء غاية للرقيا والمداواة لم يستحق إلا إذا حصل الشفاء وإلا استحق الجعل مطلقا انتهى . فقياسه هنا أنه إن جعل خروجه من الحبس غاية لتكلم الواسطة لم يستحق إلا إذا أخرج منه ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله على المعتمد ) عبارة النهاية أفتى المصنف بأنها جعالة مباحة وأخذ عوضها حلال ونقله عن جماعة ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله بشرط أن يكون في ذلك كلفة ) لعل قصة أبي سعيد حصل فيها تعب كذهابه لموضع المريض أو أنه قرأ الفاتحة سبع مرات مثلا فلا يقال إن قراءة الفاتحة لا تعب فيها وينبغي أن المراد بالتعب التعب بالنسبة لحال الفاعل ا هـ ع ش .




                                                                                                                              الخدمات العلمية