الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فصل :

[ المخرج السابع وفيه البحث في الطلاق المعلق يراد به الحض أو المنع ]

المخرج السابع : أخذه بقول أشهب من أصحاب مالك ، بل هو أفقههم على الإطلاق ، فإنه قال : إذا قال الرجل لامرأته : " إن كلمت زيدا ، أو خرجت من بيتي بغير إذني " ونحو ذلك مما يكون من فعلها " فأنت طالق " وكلمت زيدا أو خرجت من بيته تقصد أن يقع عليها الطلاق لم تطلق ، حكاه أبو الوليد بن رشد في كتاب الطلاق من كتاب المقدمات له ، وهذا القول هو الفقه بعينه ، ولا سيما على أصول مالك وأحمد في مقابلة العبد بنقيض قصده كحرمان القاتل ميراثه من المقتول ، وحرمان الموصى له وصية من قتله بعد الوصية ، وتوريث امرأة من طلقها في مرض موته فرارا من ميراثها ، وكما يقوله مالك وأحمد في إحدى [ ص: 75 ] الروايتين عنهما ، وقبلهما عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيمن تزوج في العدة ، وهو يعلم : يفرق بينهما ، ولا تحل له أبدا ، ونظائر ذلك كثيرة ; فمعاقبة المرأة هاهنا بنقيض قصدها هو محض القياس والفقه ، ولا ينتقض هذا على أشهب بمسألة المخيرة ومن جعل طلاقها بيدها ; لأن الزوج قد ملكها ذلك وجعله بيدها بخلاف الحالف فإنه لم يقصد طلاقها بنفسه ، ولا جعله بيدها باليمين ، حتى لو قصد ذلك فقال : " إن أعطيتني ألفا فأنت طالق " أو " إن أبرأتني من جميع حقوقك فأنت طالق " فأعطته أو أبرأته طلقت .

ولا ريب أن هذا الذي قال أشهب أفقه من القول بوقوع الطلاق ; فإن الزوج إنما قصد حضها ومنعها ، ولم يقصد تفويض الطلاق إليها ، ولا خطر ذلك بقلبه ، ولا قصد وقوع الطلاق عند المخالفة ، ومكان أشهب من العلم والإمامة غير مجهول ; فذكر أبو عمر بن عبد البر في كتاب الانتقاء عن محمد بن عبد الله بن عبد الحي قال : أشهب أفقه منكم ومن ابن القاسم مائة مرة ، وأنكر ابن كنانة ذلك ، قال : ليس عندنا كما قال محمد ، وإنما قاله لأن أشهب شيخه ومعلمه ، قال أبو عمر : أشهب شيخه ومعلمه ، وابن القاسم شيخه ، وهو أعلم بهما لكثرة مجالسته لهما ، وأخذه عنهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية