الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      مسألة

                                                      مدلول الصيغة العامة ليس أمرا كليا ، وإلا لما دل على جزئياته ، لأن الدال على القدر المشترك لا يدل على شيء من جزئياته ألبتة ، وليس كلا مجموعا ، وإلا لحصل الامتثال بترك قتل مسلم واحد ، إذا قيل : لا تقتلوا المسلمين ، بل مدلولها كلية ، أي محكوم فيه على كل فرد فرد مطابقة سلبا أو إيجابا عند المحققين . منهم الشيخ الأصفهاني ، خلافا للسهروردي والقرافي حيث أخرجاه من أقسام الدلالة .

                                                      ومنهم من قال : إنما هي كلية في غير جانب النهي والنفي عند تأخر " كل " ونحوها عن أدوات النهي أو النفي ، نحو ما جاء كل الرجال ، ولا يعرف كل الرجال ، فإنها لنفي المجموع لا الأفراد . قال القرافي : دلالة العموم على الفرد الواحد كالمشركين على زيد لا [ ص: 34 ] يمكن أن يكون بالمطابقة ، لأنه ليس تمام مسمى المشركين ، ولا بالالتزام لأنه ليس خارجا ، ولا بالتضمين ، لأنه ليس جزء المسمى ، إذ الجزء مقابل الكل ، والعموم كلي لا كل كما عرفت ، فإذن لا يدل لفظ " المشركين " على زيد ، لانتفاء الدلالات الثلاث . وإذا لم يدل بذلك بطل أن يدل لفظ العموم مطلقا ، لانحصار الدلالة في الأقسام الثلاثة . وأجاب عنه الأصفهاني برجوعه إلى المطابقة ، وقال : نحن حيث قلنا : اللفظ إما أن يدل مطابقة أو تضمنا أو التزاما ، فذلك في لفظ متردد دال على معنى ، ليس ذلك المعنى نسبة بين مفردين ، وذلك لا يتأتى هنا ، فلا ينبغي أن يطلب .

                                                      وإذا عرف هذا ، فاعلم أن قوله تعالى : { فاقتلوا المشركين } في قوة جمل من القضايا ، وذلك لأن مدلوله : اقتل هذا المشرك ، وهذا ، وهذا إلى آخر الأفراد ، وهذه الصيغ إذا اعتبرت بجملتها فهي لا تدل على زيد المشرك ، ولكنها تتضمن ما يدل على مثله لا بخصوص كونه زيدا بل بعموم كونه فردا ، ضرورة تضمنه : اقتل زيدا المشرك ، فإنه من جملة هذه القضايا ، وهي جزء من مجموع تلك القضايا ، فتكون دلالة هذه الصيغة على وجهين : قتل زيد المشرك ، لتضمنها ما يدل على ذلك الوجوب ، والذي هو في ضمن ذلك المجموع هو دال على ذلك مطابقة ، قال : فافهم ذلك ، فإنه دقيق الكلام .

                                                      ثم استشكل نحو قوله : { فاقتلوا المشركين } فإن فيه عمومات : أحدها : في المشركين . والثاني : في المأمور بقتلهم ، [ ص: 35 ] ودلالة العموم كلية ، فيكون أمر كل فرد بقتل كل فرد فرد من المشركين ، فيكون تكليفا بالمستحيل ، وهو غير واقع . وأجاب عنه بأنه وإن كان ظاهر اللفظ إلا أن العقل دل على خلافه ، فيحمل على الممكن دون المستحيل ; قال بعضهم : هذا السؤال لا يستحق جوابا ; لأن الفرد الواحد من المسلمين يستحيل أن يقتل جميع المشركين .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية