الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ فتا ]

                                                          فتا : الفتاء : الشباب . والفتى والفتية : الشاب والشابة ، والفعل فتو يفتو فتاء . ويقال : افعل ذلك في فتائه . وقد فتي ، بالكسر ، يفتى فتى فهو فتي السن بين الفتاء ، وقد ولد له في فتاء سنه أولاد ؛ قال أبو عبيد : الفتاء ، ممدود ، مصدر الفتي ؛ وأنشد للربيع بن ضبع الفزاري قال :


                                                          إذا عاش الفتى مائتين عاما فقد ذهب اللذاذة والفتاء

                                                          فقصر الفتى في أول البيت ومد في آخره ، واستعاره في الناس وهو من مصادر الفتي من الحيوان ، ويجمع الفتى فتيانا وفتوا ، قال : ويجمع الفتي في السن أفتاء . الجوهري : والأفتاء من الدواب خلاف المسان ، واحدها فتي مثل يتيم وأيتام ؛ وقوله أنشده ثعلب :


                                                          ويل بزيد فتى شيخ ألوذ به     فلا أعشى لدى زيد ولا أرد

                                                          فسر ( فتى شيخ ) فقال أي هو في حزم المشايخ ، والجمع فتيان وفتية وفتوة ؛ الواو عن اللحياني ، وفتو وفتي . قال سيبويه : ولم يقولوا أفتاء استغنوا عنه بفتية . قال الأزهري : وقد يجمع على الأفتاء . قال القتيبي : ليس الفتى بمعنى الشاب والحدث إنما هو بمعنى الكامل الجزل من الرجال ، يدلك على ذلك قول الشاعر :


                                                          إن الفتى حمال كل ملمة     ليس الفتى بمنعم الشبان

                                                          !

                                                          قال ابن هرمة :


                                                          قد يدرك الشرف الفتى ورداؤه     خلق وجيب قميصه مرقوع



                                                          وقال الأسود بن يعفر :

                                                          ما بعد زيد في فتاة فرقوا قتلا وسبيا بعد طول تآدي في آل غرف لو بغيت لي الأسى لوجدت فيهم أسوة العواد فتخيروا الأرض الفضاء لعزهم ويزيد رافدهم على الرفاد

                                                          قال ابن الكلبي : هؤلاء قوم من بني حنظلة خطب إليهم بعض الملوك جارية يقال لها أم كهف فلم يزوجوه ، فغزاهم وأجلاهم من بلادهم وقتلهم ؛ وقال أبوها :


                                                          أبيت أبيت نكاح الملوك     كأني امرؤ من تميم بن مر
                                                          أبيت اللئام وأقليهم     وهل ينكح العبد حر بن حر



                                                          وقد سماه الجوهري فقال : خطب بعض الملوك إلى زيد بن مالك الأصغر ابن حنظلة بن مالك الأكبر أو إلى بعض ولده ابنته يقال لها أم كهف ، قال : وزيد هاهنا قبيلة ، والأنثى فتاة ، والجمع فتيات . ويقال للجارية الحدثة فتاة وللغلام فتى ، وتصغير الفتاة فتية ، والفتى فتي ، وزعم يعقوب أن الفتوان لغة في الفتيان ، فالفتوة على هذا من الواو لا من الياء ، وواوه أصل لا منقلبة ، وأما في قول من قال الفتيان فواوه منقلبة ، والفتي كالفتى ، والأنثى فتية ، وقد يقال ذلك للجمل والناقة ، يقال للبكرة من الإبل فتية ، وبكر فتي ، كما يقال للجارية فتاة وللغلام فتى ، وقيل : هو الشاب من كل شيء ، والجمع فتاء ؛ قال عدي بن الرقاع :


                                                          يحسب الناظرون ما لم يفروا     أنها جلة وهن فتاء



                                                          والاسم من جميع ذلك الفتوة ، انقلبت الياء فيه واوا على حد انقلابها في موقن وكقضو ؛ قال السيرافي : إنما قلبت الياء فيه واوا لأن أكثر هذا الضرب من المصادر على فعولة ، إنما هو من الواو كالأخوة ، فحملوا ما كان من الياء عليه فلزمت القلب ، وأما الفتو فشاذ من وجهين : [ ص: 128 ] أحدهما أنه من الياء ، والآخر أنه جمع ، وهذا الضرب من الجمع تقلب فيه الواو ياء كعصي ولكنه حمل على مصدره ؛ قال :


                                                          وفتو هجروا ثم أسروا     ليلهم حتى إذا انجاب حلوا



                                                          وقال جذيمة الأبرش :


                                                          في فتو أنا رابئهم     من كلال غزوة ماتوا

                                                          ولفلانة بنت قد تفتت أي تشبهت بالفتيات وهي أصغرهن . وفتيت الجارية تفتية : منعت من اللعب مع الصبيان والعدو معهم وخدرت وسترت في البيت . التهذيب : يقال تفتت الجارية إذا راهقت فخدرت ومنعت من اللعب مع الصبيان . وقولهم في حديث البخاري : الحرب أول ما تكون فتية ، قال ابن الأثير : هكذا جاء على التصغير أي شابة ، ورواه بعضهم فتية ، بالفتح . والفتى والفتاة : العبد والأمة . وفي حديث النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : لا يقولن أحدكم عبدي وأمتي ولكن ليقل فتاي وفتاتي أي غلامي وجاريتي ، كأنه كره ذكر العبودية لغير الله ، وسمى الله تعالى صاحب موسى ، عليه السلام ، الذي صحبه في البحر فتاه ، فقال تعالى : وإذ قال موسى لفتاه قال : لأنه كان يخدمه في سفره ، ودليله قوله : آتنا غداءنا . ويقال في حديث عمران بن حصين : جذعة أحب إلي من هرمة ، الله أحق بالفتاء والكرم ؛ الفتاء ، بالفتح والمد : المصدر من الفتي السن . يقال : فتي بين الفتاء أي طري السن ، والكرم الحسن . وقوله عز وجل : ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات المحصنات : الحرائر ، والفتيات : الإماء . وقوله عز وجل : ودخل معه السجن فتيان جائز أن يكونا حدثين أو شيخين لأنهم كانوا يسمون المملوك فتى . الجوهري : الفتى السخي الكريم . يقال : هو فتى بين الفتوة ، وقد تفتى وتفاتى ، والجمع فتيان وفتية وفتو ، على فعول ، وفتي مثل عصي ؛ قال سيبويه : أبدلوا الواو في الجمع والمصدر بدلا شاذا . قال ابن بري : البدل في الجمع قياس مثل عصي وقفي ، وأما المصدر فليس قلب الواوين فيه ياءين قياسا مطردا نحو عتا يعتو عتوا وعتيا ، وأما إبدال الياءين واوين في مثل الفتو ، وقياسه الفتي ، فهو شاذ . قال : وهو الذي عناه الجوهري . قال ابن بري : الفتى الكريم ، هو في الأصل مصدر فتي فتى وصف به ، فقيل رجل فتى ؛ قال : ويدلك على صحة ذلك قول ليلى الأخيلية :

                                                          فإن تكن القتلى بواء فإنكم فتى ما قتلتم آل عوف بن عامر والفتيان : الليل والنهار . يقال : لا أفعله ما اختلف الفتيان ، يعني الليل والنهار ، كما يقال ما اختلف الأجدان والجديدان ؛ ومنه قول الشاعر :


                                                          ما لبث الفتيان أن عصفا     بهم ولكل قفل يسرا مفتاحا



                                                          وأفتاه في الأمر : أبانه له . وأفتى الرجل في المسألة واستفتيته فيها فأفتاني إفتاء . وفتى وفتوى : اسمان يوضعان موضع الإفتاء . ويقال : أفتيت فلانا رؤيا رآها إذا عبرتها له ، وأفتيته في مسألته إذا أجبته عنها . وفي الحديث : أن قوما تفاتوا إليه ؛ معناه تحاكموا إليه وارتفعوا إليه في الفتيا . يقال : أفتاه في المسألة يفتيه إذا أجابه ، والاسم الفتوى ؛ قال الطرماح :


                                                          أنخ بفناء أشدق من عدي     ومن جرم وهم أهل التفاتي

                                                          أي التحاكم وأهل الإفتاء . قال : والفتيا تبيين المشكل من الأحكام ، أصله من الفتى وهو الشاب الحدث الذي شب وقوي ، فكأنه يقوي ما أشكل ببيانه فيشب ويصير فتيا قويا ، وأصله من الفتى وهو الحديث السن . وأفتى المفتي إذا أحدث حكما . وفي الحديث : الإثم ما حك في صدرك وإن أفتاك الناس عنه وأفتوك أي وإن جعلوا لك فيه رخصة وجوازا . وقال أبو إسحاق في قوله تعالى : فاستفتهم أهم أشد خلقا أي فاسألهم سؤال تقرير أهم أشد خلقا ، أم من خلقنا من الأمم السالفة . وقوله عز وجل : يستفتونك قل الله يفتيكم أي يسألونك سؤال تعلم . الهروي : والتفاتي التخاصم ؛ وأنشد بيت الطرماح : وهم أهل التفاتي . والفتيا والفتوى والفتوى : ما أفتى به الفقيه ، الفتح في الفتوى لأهل المدينة . والمفتي : مكيال هشام بن هبيرة ، حكاه الهروي في الغريبين . قال ابن سيده : وإنما قضينا على ألف أفتى بالياء لكثرة " ف ت ي " وقلة " ف ت و " ، ومع هذا إنه لازم ، قال : وقد قدمنا أن انقلاب الألف عن الياء لاما أكثر . والفتي : قدح الشطار . وقد أفتى إذا شرب به . والعمري : مكيال اللبن . قال : والمد الهشامي ، وهو الذي كان يتوضأ به سعيد بن المسيب . وروى حضر بن يزيد الرقاشي عن امرأة من قومه أنها حجت فمرت على أم سلمة فسألتها أن تريها الإناء الذي كان يتوضأ منه سيدنا رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فأخرجته فقالت : هذا مكوك المفتي ، قالت : أريني الإناء الذي كان يغتسل منه ، فأخرجته فقالت : هذا قفيز المفتي ، قال الأصمعي : المفتي مكيال هشام بن هبيرة ، أرادت تشبيه الإناء بمكوك هشام ، أو أرادت مكوك صاحب المفتي فحذفت المضاف أو مكوك الشارب وهو ما يكال به الخمر . والفتيان : قبيلة من بجيلة إليهم ينسب رفاعة الفتياني المحدث ، والله أعلم .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية