الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      معلومات الكتاب

      معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول

      الحكمي - حافظ بن أحمد الحكمي

      صفحة جزء
      طبقة أخرى

      روى ابن أبي حاتم ، عن جرير بن عبد الحميد ، قال : كلام الجهمية أوله عسل ، وآخره سم ، وإنما يحاولون أن يقولوا ليس في السماء إله . وصح عن علي بن الحسن بن شقيق قال : قلت لعبد الله بن المبارك ، كيف نعرف ربنا عز وجل ؟ قال : في السماء السابعة على عرشه ، ولا نقول كما تقول الجهمية إنه هاهنا في الأرض . فقيل : هذا لأحمد بن حنبل ، فقال : هكذا هو عندنا . وعنه - رضي الله عنه - أن رجلا قال له : يا أبا عبد الرحمن ، قد خفت الله من كثرة ما أدعو على الجهمية . قال : لا تخف ، فإنهم يزعمون أن إلهك الذي في السماء ليس بشيء . رواه عبد الله بن أحمد .

      وقال نوح الجامع ، وسأله رجل عن الله - عز وجل - في السماء هو ؟ فحدث بحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - حين سأل الأمةأين الله ؟ قالت : في السماء [ ص: 188 ] . قال : أعتقها ، فإنها مؤمنة ، ثم قال : سماها النبي - صلى الله عليه وسلم - مؤمنة أن عرفت أن الله - عز وجل - في السماء . رواه عبد الله بن أحمد أيضا .

      وقال عباد بن العوام : كلمت بشرا المريسي وأصحابه ، فرأيت آخر كلامهم ينتهي أن يقولوا ليس في السماء شيء ، أرى أن لا يناكحوا ولا يوارثوا . وثبت عن أبي يوسف - رحمه الله - قال : من طلب الدين بالكلام تزندق ، ومن طلب المال بالكيمياء أفلس ، ومن تتبع غريب الحديث كذب ، وقد ضرب علي الأحول وطوف به في شأن الكلام ، وضرب آخر كان معه .

      وقال محمد بن الحسن : اتفق الفقهاء كلهم من المشرق إلى المغرب على الإيمان بالقرآن والأحاديث التي جاء بها الثقات عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صفة الرب - عز وجل - من غير تفسير ، ولا وصف ولا تشبيه ، فمن فسر شيئا من ذلك ، فقد خرج مما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وفارق الجماعة ; لأنه وصفه بصفة لا شيء .

      وكتب بشر المريسي - قبحه الله تعالى - إلى منصور بن عمار - رحمه الله تعالى - يسأله عن قوله : ( الرحمن على العرش استوى ) ، كيف استوى ؟ فكتب إليه : استواؤه غير محدود ، والجواب فيه تكلف ، ومسألتك عن ذلك بدعة ، والإيمان بجملة ذلك واجب ، قال الله - تعالى - ( فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ) .

      وقيل ليزيد بن هارون : من الجهمي ؟ قال : من زعم أن قوله تعالى : ( الرحمن على العرش استوى ) على خلاف ما يقر في [ ص: 189 ] قلوب العامة ، فهو جهمي . رواه عبد الله بن أحمد .

      وقال سعيد بن عامر الضبعي ، وذكر الجهمية ، فقال : هم شر قولا من اليهود والنصارى ، قد اجتمع اليهود والنصارى وأهل الأديان مع المسلمين على أن الله - عز وجل - على العرش ، وقالوا هم : ليس على العرش . وقال أحمد بن حنبل رضي الله عنه : حدثنا وكيع ، عن إسرائيل بحديث : " إذا جلس الرب - جل جلاله - على الكرسي " فاقشعر رجل عند وكيع ، فغضب وكيع ، وقال : أدركنا الأعمش والثوري يحدثون بهذه الأحاديث ولا ينكرونها .

      وقال مرة : نسلم هذه الأحاديث كما جاءت ، ولا نقول كيف كذا ؟ ولا لم كذا ؟ وقال عبد الرحمن بن مهدي : إن الجهمية أرادوا أن ينفوا أن يكون الله - تعالى - كلم موسى ، وأن يكون على العرش ، أرى أن يستتابوا ، فإن تابوا وإلا ضربت أعناقهم . وقال وهب بن جرير : إياكم ورأي جهم ، فإنهم يحاولون أنه ليس شيء في السماء ، وما هو إلا من وحي إبليس ، ما هو إلا الكفر . وقال الأصمعي لما قدمت امرأة جهم ، فقال رجل عندها : الله على عرشه ، فقالت : محدود على محدود . قال الأصمعي : هي كافرة بهذه المقالة .

      وقال الخليل بن أحمد في قوله : ( ثم استوى إلى السماء ) ، يقول : ارتفع . وقال الفراء صعد . وعن [ ص: 190 ] عبد الله بن أبي جعفر الرازي أنه ضرب رأس قرابة له ، كان يرى رأي جهم ، وكان يضرب بالنعل على رأسه ، ويقول : لا ، حتى تقول الرحمن على العرش استوى ، بائن من خلقه .

      التالي السابق


      الخدمات العلمية