الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              فصل

              - ومنها : أن صاحب هذه الحالة مستريح النفس ساكن البال مجتمع الشمل ، فارغ القلب من تعب الدنيا ، متوحد الوجهة ، فهو بذلك طيب المحيا ، مجازى في الآخرة ، قال تعالى : من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة الآية [ النحل : 97 ] .

              [ ص: 350 ] وروي عن جعفر الصادق أنه قال في الحياة الطيبة : " هي المعرفة بالله ، وصدق المقام مع الله ، وصدق الوقوف على أمر الله " .

              وقال ابن عطاء : " العيش مع الله ، والإعراض عما سوى الله " .

              وأيضا ; ففيه كفاية جميع الهموم بجعل همه هما واحدا ، بخلاف من كان ناظرا إلى المسبب بالسبب ; فإنه ناظر إلى كل مسبب في كل سبب يتناوله ، وذلك مكثر ، ومشتت .

              وأيضا ; ففي النظر إلى كون السبب منتجا أو غير منتج تفرق بال ، وإذا أنتج فليس على وجه واحد ، فصاحبه متبدد الحال ، مشغول القلب في أن لو كان المسبب أصلح مما كان ، فتراه يعود تارة باللوم على السبب ، وتارة بعدم الرضى بالمسبب ، وتارة على غير هذه الوجوه ، وإلى هذا النحو يشير معنى قوله عليه الصلاة والسلام : لا تسبوا الدهر ; فإن الله هو الدهر ، وأمثاله .

              [ ص: 351 ] وأما المشتغل بالسبب معرضا عن النظر في غيره ، فمشتغل بأمر واحد ، وهو التعبد بالسبب أي سبب كان ، ولا شك أن هما واحدا خفيف على النفس جدا بالنسبة إلى هموم متعددة ، بل هم واحد ثابت خفيف بالنسبة إلى هم واحد متغير متشتت في نفسه ، وقد جاء أن : " من جعل همه هما واحدا كفاه الله سائر الهموم ، ومن جعل همه أخراه كفاه الله أمر دنياه " .

              [ ص: 352 ] ويقرب من هذا المعنى قول من قال : " من طلب العلم لله ; فالقليل من العلم يكفيه ، ومن طلبه للناس فحوائج الناس كثيرة " .

              وقد لهج الزهاد في هذا الميدان ، وفرحوا بالاستباق فيه حتى قال بعضهم : " لو علم الملوك ما نحن عليه لقاتلونا عليه بالسيوف " .

              وروي في الحديث : الزهد في الدنيا يريح القلب والبدن . والزهد [ ص: 353 ] ليس عدم ذات اليد ، بل هو حال للقلب يعبر عنها ـ إن شئت ـ بما تقرر من الوقوف مع التعبد بالأسباب من غير مراعاة للمسببات التفاتا إليها في [ الأسباب ] ، فهذا أنموذج ينبهك على جملة هذه القاعدة .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية