الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                              صفحة جزء
                                                              228 [ ص: 137 ] 18 - باب الجنب يؤخر الغسل

                                                              30 \ 216 - وعن أبي إسحاق (وهو السبيعي) عن الأسود (وهو ابن يزيد) عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب من غير أن يمس ماء .

                                                              وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه .

                                                              وقال يزيد بن هارون: هذا الحديث وهم - يعني حديث أبي إسحاق. وقال الترمذي: يرون أن هذا غلط من أبي إسحاق. وقال سفيان الثوري: فذكرت الحديث يوما - يعني حديث أبي إسحاق - فقال لي إسماعيل: يا فتى، تشد هذا الحديث بشيء؟

                                                              قال البيهقي: وحمل أبو العباس بن سريج رواية أبي إسحاق على أنه كان لا يمس ماء للغسل.

                                                              التالي السابق




                                                              قال ابن القيم رحمه الله: قال أبو محمد بن حزم: نظرنا في حديث أبي إسحاق فوجدناه ثابتا صحيحا تقوم به الحجة. ثم قال. وقد قال قوم: إن زهير بن معاوية روى عن أبي إسحاق هذا الخبر فقال فيه: وإن نام جنبا توضأ وضوء الرجل للصلاة ، قال: فدل ذلك على أن سفيان اختصره أو وهم فيه.

                                                              ومدعي هذا الخطأ والاختصار في هذا الحديث هو المخطئ، بل نقول: إن رواية زهير عن أبي إسحاق صحيحة. ورواية الثوري ومن تابعه عن أبي إسحاق صحيحة، ولم تكن ليلة واحدة فتحمل روايتهم على التضاد، [ ص: 138 ] بل كان يفعل مرة هذا ومرة هذا.

                                                              قال ابن مفوز: وهذا كله تصحيح للخطأ الفاسد بالخطأ البين; أما حديث أبي إسحاق من رواية الثوري وغيره فأجمع من تقدم من المحدثين ومن تأخر منهم أنه خطأ منذ زمان أبي إسحاق إلى اليوم، وعلى ذلك تلقوه منه، وحملوه عنه، وهو أول حديث أو ثان مما ذكره مسلم في كتاب "التمييز" له، مما حمل من الحديث على الخطأ.

                                                              وذلك أن عبد الرحمن بن يزيد، وإبراهيم النخعي - وأين يقع أبو إسحاق من أحدهما، فكيف باجتماعهما على مخالفته؟! - رويا الحديث بعينه عن الأسود بن يزيد، عن عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان جنبا فأراد أن ينام توضأ وضوءه للصلاة ، فحكم الأئمة برواية هذين الفقيهين الجليلين عن الأسود على رواية أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة: أنه كان ينام ولا يمس ماء ، ثم عضدوا ذلك برواية عروة وأبي سلمة بن [ ص: 139 ] عبد الرحمن، وعبد الله بن أبي قيس، عن عائشة، وبفتوى رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بذلك حين استفتاه.

                                                              وبعض المتأخرين من الفقهاء الذين لا يعتبرون الأسانيد ولا ينظرون الطرق يجمعون بينهما بالتأويل، فيقولون: لا يمس ماء للغسل. ولا يصح هذا. وفقهاء المحدثين وحفاظهم على ما أعلمتك.

                                                              وأما الحديث الذي نسبه إلى رواية زهير عن أبي إسحاق فقال فيه: وإن نام جنبا توضأ وحكي أن قوما ادعوا فيه الخطأ والاختصار، ثم صححه هو، فإنما عنى بذلك أحمد بن محمد الأزدي، فهو الذي رواه بهذا اللفظ، وهو الذي ادعى فيه الاختصار. وروايته خطأ، ودعواه سهو وغفلة. ورواية زهير عن أبي إسحاق كرواية الثوري وغيره عن أبي إسحاق في هذا المعنى، وحديث زهير أتم سياقة.

                                                              وقد روى مسلم الحديث بكامله في كتاب الصلاة، وقال فيه: وإن لم يكن جنبا توضأ للصلاة وأسقط منه وهم أبي إسحاق، وهو قوله: ثم ينام قبل أن يمس ماء فأخطأ فيه بعض النقلة، فقال: وإن نام جنبا توضأ للصلاة فعمد ابن حزم إلى هذا الخطأ الحادث على زهير فصححه، وقد [ ص: 140 ] كان صحح خطأ أبي إسحاق القديم فصحح خطأين متضادين! وجمع بين غلطين متنافرين! تم كلامه.

                                                              قال البيهقي: والحفاظ طعنوا في هذه اللفظة، وتوهموها مأخوذة عن غير الأسود، وأن أبا إسحاق ربما دلس، فرواها من تدليساته، بدليل رواية إبراهيم عن الأسود، وعبد الرحمن بن الأسود عن أبيه، عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة، ثم ينام رواه مسلم.

                                                              قال: وحديث أبي إسحاق صحيح من جهة الرواية، فإن أبا إسحاق بين فيه سماعه من الأسود، والمدلس إذا بين سماعه وكان ثقة فلا وجه لرده. تم كلامه.

                                                              والصواب ما قاله أئمة الحديث الكبار مثل يزيد بن هارون، ومسلم، والترمذي، وغيرهم من أن هذه اللفظة وهم وغلط. والله أعلم.




                                                              الخدمات العلمية