الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب في بكاء الحي على الميت

حدثنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك بن أنس عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه عن عمرة أنها سمعت عائشة وذكر لها أن عبد الله بن عمر يقول إن الميت ليعذب ببكاء الحي فقالت عائشة : أما إنه لم يكذب ولكنه أخطأ أو نسي إنما { مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على يهودية وهي يبكي عليها أهلها ، فقال : إنهم ليبكون وإنها لتعذب في قبرها } .

حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال أخبرني ابن أبي مليكة قال توفيت ابنة لعثمان بمكة فجئنا نشهدها وحضرها ابن عباس وابن عمر فقال : إني لجالس بينهما جلست إلى أحدهما ثم جاء الآخر فجلس إلي فقال ابن عمر لعمرو بن عثمان : ألا تنهى عن البكاء فإن رسول الله قال : { إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه ؟ } فقال ابن عباس قد كان عمر يقول بعض ذلك ثم حدث ابن عباس فقال : صدرت مع عمر بن الخطاب من مكة حتى إذا كنا بالبيداء إذا بركب تحت ظل شجرة قال : اذهب فانظر من هؤلاء الركب ؟ فذهبت فإذا صهيب قال ادعه فرجعت إلى صهيب فقلت : ارتحل فالحق بأمير المؤمنين فلما أصيب عمر سمعت صهيبا يبكي ويقول : وا أخياه وا صاحباه فقال عمر يا صهيب تبكي علي وقد قال رسول الله { إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه } ؟ قال : فلما مات عمر ذكرت ذلك لعائشة فقالت : يرحم الله عمر لا والله ما حدث رسول الله أن الله يعذب المؤمن ببكاء أهله عليه ولكن [ ص: 649 ] رسول الله قال : { إن الله يزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه } وقالت عائشة : حسبكم القرآن { ولا تزر وازرة وزر أخرى } قال ابن عباس عند ذلك والله أضحك وأبكى وقال ابن أبي مليكة فوالله ما قال ابن عمر من شيء .

( قال الشافعي ) وما روت عائشة عن رسول الله أشبه أن يكون محفوظا عنه صلى الله عليه وسلم بدلالة الكتاب ثم السنة . فإن قيل فأين دلالة الكتاب ؟ قيل في قوله - عز وجل - { ولا تزر وازرة وزر أخرى } { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } وقوله { : فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره } { ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } وقوله { : لتجزى كل نفس بما تسعى } ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وعمرة أحفظ عن عائشة من ابن أبي مليكة وحديثها أشبه الحديثين أن يكون محفوظا فإن كان الحديث على غير ما روى ابن أبي مليكة من قول النبي { : إنهم ليبكون عليها وإنها لتعذب في قبرها } فهو واضح لا يحتاج إلى تفسير لأنها تعذب بالكفر وهؤلاء يبكون ولا يدرون ما هي فيه وإن كان الحديث كما رواه ابن أبي مليكة فهو صحيح لأن على الكافر عذابا أعلى فإن عذب بدونه فزيد في عذابه فيما استوجب وما نيل من كافر من عذاب أدنى من أعلى منه وما زيد عليه من العذاب فباستيجابه لا بذنب غيره في بكائه عليه فإن قيل يزيده عذابا ببكاء أهله عليه ، قيل يزيده بما استوجب بعمله ويكون بكاؤه سببا لا أنه يعذب ببكائهم . فإن قيل أين دلالة السنة ؟ قيل : { قال رسول الله لرجل ابنك هذا ؟ قال : نعم قال أما إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه } فأعلم رسول الله مثل ما أعلم الله من أن جناية كل امرئ عليه كما عمله له لا لغيره ولا عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية