الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 664 ] باب بيع الطعام حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله قال { من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه } أخبرنا مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رسول الله قال { من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه } أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس قال أما { الذي نهى عنه رسول الله فهو الطعام أن يباع حتى يستوفى } وقال ابن عباس برأيه ولا أحسب كل شيء إلا مثله . أخبرنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن عبد الله بن كثير عن أبي المنهال عن ابن عباس قال : { قدم النبي المدينة وهم يسلفون في التمر السنة والسنتين والثلاث ، فقال رسول الله من سلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم وأجل معلوم أو إلى أجل معلوم } أخبرنا الثقة عن أيوب عن يوسف بن ماهك { عن حكيم بن حزام قال نهاني النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع ما ليس عندي } .

( قال الشافعي ) وليس شيء من هذه الأحاديث مختلفا ولكن بعضها من الجمل التي تدل على معنى المفسر وبعضها أدى فيه أكثر مما أدى في بعضه قال فسألني مقدم من أهل العلم ممن يكثر خلافنا ويدخل المجمل على المفسر والمفسر على المجمل فقال أرأيت هذه الأحاديث أمختلفة هي ؟ قلت ما يخالف منها واحد واحدا قال فأبن لي من أين اتفقت ولم تختلف قلت أما ابن عمر فيقول إن رسول الله قال { من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه } فدل هذا على أن لا يجوز لمبتاع طعاما بيعه قبل أن يستوفيه لأنه والله أعلم مضمون بالبيع على البائع فلا يكون من ضمان غيره بالبيع ويأخذ هو ثمنه وربحه وهو لو هلك في يد البائع قبل أن يقبضه المبتاع أخذ منه رأس ماله وكان كمن لا بيع بينه وبينه ، وأما حديث طاوس عن ابن عباس فمثل حديث ابن عمر والله أعلم إلا أنه لم يذكر فيه من ابتاع طعاما وفيه دلالة إذ قال أما { الذي نهى عنه رسول الله فالطعام أن يباع حتى يعلم } يعني حتى يكال وإذا اكتاله المشتري فقد استوفاه وإن كان حديث ابن عمر أوضح معنى منه فأما حديث حكيم بن حزام فإن رسول الله نهاه والله أعلم عن أن يبيع شيئا بعينه لا يملكه والدليل على أن هذا معنى حديث حكيم بن حزام والله أعلم حديث أبي المنهال عن ابن عباس { أن رسول الله أمر من سلف في تمر سنتين أو ثلاثا أن يسلف في كيل معلوم ووزن معلوم } وهذا بيع ما ليس عند المرء ولكنه بيع صفة مضمونة على بائعها وإذا أتى بها البائع لزمت المشتري وليست بيع عين بيع العين إذا هلكت قبل قبض المبتاع انتقض فيها البيع ولا يكون بيع العين مضمونا على البائع فيأتي بمثله إذا هلكت .

فقال كل ما قلت كما قلت وبه أقول . فقلت له ولا تجعل عن رسول الله حديثين مختلفين أبدا إذا وجد السبيل إلى أن يكونا مستعملين فلا نعطل منهما واحدا لأن علينا في كل ما علينا في صاحبه ولا نجعل المختلف إلا فيما لا يجوز أن يستعمل أبدا إلا بطرح صاحبه قال : فقلت له ولو ذهب ذاهب في هذه الأحاديث إلى أن يجعلها مختلفة فيقول حكى ابن عباس قدوم النبي المدينة وهم يسلفون فأمرهم أن يسلفوا في كيل معلوم ووزن معلوم وهذا أول مقدمه ثم حكى حكيم بن حزام وإنما صحبه بعد الفتح أن النبي نهاه عن بيع ما ليس عنده والسلف في صفة بيع ما ليس عنده فلا يحل السلف هل الحجة عليه إلا أن يقال له السلف صنف من البيع غير بيع العين ونستعمل الحديثين معا ونجد عوام المفتين يستعملونهما وفي استعمال عوام المفتين إياهما دليل على أن الحجة تلزمهم بأن يستعملوا كل ما كان في معناهما ولا يتفرقوا فيه كما اجتمعوا على استعمال هذين والدليل على أن الحجة مع من استعملهما دون من لم يستعملهما قال : نعم قال : فقلت له هكذا الحجة عليك في كل ما ذهبت إليه من أن تجعل المفسر مرة حجة على المجمل والمجمل حجة على المفسر في القسامة واليمين مع الشاهد والبينة [ ص: 665 ] على المدعي وبيع العرايا والمزابنة وغير ذلك مما كثر مما أسمعك تذهب فيه إلى الطريق التي أرى أن تقلبها عن طريق النص بأنها تضاد انتشار الخلاف بين الأحاديث ، والله أعلم ولكنك تذهب فيها إلى الاستتار من كثرة خلاف الحديث عند من لعله لا يبصر في أن قال ذلك ممن يعيب عليك خلاف الحديث .

التالي السابق


الخدمات العلمية