الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 2035 ] ( 20 ) باب الوصايا

الفصل الأول

3070 - عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما حق امرئ مسلم له شيء يوصى فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده . متفق عليه .

التالي السابق


20 - باب الوصايا

جمع الوصية اسم في معنى المصدر قال الأزهري : هي مشتقة من وصيت الشيء إذا وصلته وسميت وصية لأنه وصل ما كان في حياته بما بعده ، ويقال : وصى وأوصى أيضا . قلت : وكلما قرئ قوله تعالى : ( ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب ) وقد تستعمل الوصية بمعنى النصيحة ، ومنه قوله تعالى : ( ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله ) .

الفصل الأول

3070 - ( عن ابن عمر ، قال : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما " ) أي : ليس ( حق امرئ مسلم له ) من صفته أن أوله ( " شيء يوصى فيه " ) بفتح الصاد وكسرها ( " يبيت ليلتين " ) فيه حذف تقديره أن يبيت وهو كقوله تعالى : ( ومن آياته يريكم البرق ) الآية ذكره العسقلاني . ( إلا ووصيته مكتوبة ) أي : مثبتة ( " عنده " ) وخلاصة معناه أنه ليس حقه من جهة الحزم والاحتياط والانتباه للموت أن يترك الوصية . قال الطيبي - رحمه الله - : " ما " بمعنى ليس ويبيت صفة ثالثة لامرئ ويوصى فيه صفة شيء ، والمستثنى خبر أي لليس ، ثم قيد ليلتين على ما قاله المظهر تأكيدا وليس بتحديد ، والمعنى لا ينبغي له أن يمضي عليه زمان وإن كان قليلا في حال من الأحوال إلا أن يبيت بهذه الحال ، وهي أن يكون وصيته مكتوبة عنده ، لأنه لا يدري متى يدركه الموت ، قال الطيبي - رحمه الله - : وفي تخصيص ليلتين تسامح في إرادة المبالغة أي : لا ينبغي أن يبيت ليلة وقد سامحناه في المقدار ، فلا ينبغي أن يتجاوز عنه ، قلت : وفي تخصيص ليلة تسامح في إرادة المبالغة أيضا إذ يتصور الموت في كل لحظة على غفلة . قال النووي : فيه دليل على وجوب الوصية ، والجمهور على أنها مندوبة ، وبه قال الشافعي - رحمه الله - معناه ما الحزم والاحتياط لمسلم إلا أن تكون وصيته مكتوبة عنده . وقال داود وغيره من أهل الظاهر : هي واجبة بهذا الحديث ، ولا دلالة فيه على الوجوب ، لكن إن كان على الإنسان دين أو وديعة لزمه الإيصاء بذلك ، ويستحب تعجيلها وأن يكتبها في صحيفة ويشهد عليه فيها ، وإن تجدد له أمر يحتاج إلى الوصية به ألحقه بها ، وبما قلنا يشهد عليه فيها لأنه لم تنفعه الوصية إذا لم يشهد عليها . قال ابن الملك : ذهب بعض إلى وجوبها لظاهر الحديث والجمهور على ندبها ; لأنه - صلى الله عليه وسلم - جعلها حقا للمسلم لا عليه ، ولو وجبت لكانت عليه ، وهو خلاف ما يدل عليه اللفظ . قيل : هذا في الوصية المتبرع بها ، وأما الوصية بأداء الدين ، رد الأمانات الواجبة عليه فواجبة عليه ، ثم ظاهر الحديث مشعر بأن مجرد الكتابة بلا إشهاد عليه كانت وليس كذلك ، بل لا بد من الشاهدين عند عامة العلماء ، لأن حق الغير تعلق به ، فلا بد لإزالته من حجة شرعية ، ولا يكفي أن يشهدها على ما في الكتاب من غير أن يطلعهما عليه اه .

ومما يؤيد أن هذا في الوصية المتبرع بها قوله له شيء يوصى فيه حيث لم يقل عليه شيء ، في رواية له شيء يريد أن يوصي فيه ( متفق عليه ) ورواه مالك وأحمد وابن ماجه .

وفي شرح الصدور للسيوطي : أخرج ابن عساكر من طريق زيد بن أسلم عن أبيه قال : ذكرت حديثا رواه ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ما حق امرئ مسلم يبيت ثلاث ليال إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه ، فدعوت بدواة وقرطاس لأكتب وصيتي وغلبني النوم ، فنمت ولم أكتبها ، فبينا أنا نائم إذ دخل داخل أبيض الثياب حسن الوجه طيب الرائحة قلت : ما هذا من أدخلك داري ؟ قال : أدخلنيها ربها . قلت : من أنت ؟ قال : ملك الموت ، فرعبت منه ، فقال : لا ترع إني لم أومر بقبض روحك ؟ قلت : فاكتب لي إذا براءة من النار . قال : هات دواة وقرطاسا فمددت يدي إلى الداوة والقرطاس الذي نمت عليه وهو عند رأسي ، فناولته ، فكتب : بسم الله الرحمن الرحيم ، استغفر الله ، استغفر الله حتى ملأ ظهر الكاغد وبطنه ثم ناولنيه ، وقال : هذا براءتك رحمك الله وانتبهت فزعا ، ودعوت بالسراج فنظرت فإذا القرطاس الذي نمت وهو عند رأسي مكتوب ظهره وبطنه استغفر الله اه . ولعله إشارة إلى ما ورد : " من أحب أن تسره صحيفته فليكثر فيها من الاستغفار " ، رواه الطبراني في الأوسط عن الزبير بن العوام مرفوعا .

[ ص: 2036 ]



الخدمات العلمية