الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ فحل ]

                                                          فحل : الفحل معروف : الذكر من كل حيوان ، وجمعه أفحل وفحول وفحولة وفحال وفحالة ، مثل الجمالة ; قال الشاعر :


                                                          فحالة تطرد عن أشوالها



                                                          قال سيبويه : ألحقوا الهاء فيهما لتأنيث الجمع . ورجل فحيل : فحل ، وإنه لبين الفحولة والفحالة والفحلة . وفحل إبله فحلا كريما : اختار لها ، وافتحل لدوابه فحلا كذلك . الجوهري : فحلت إبلي إذا أرسلت فيها فحلا ; قال أبو محمد الفقعسي :


                                                          نفحلها البيض القليلات الطبع     من كل عراص إذا هز اهتزع



                                                          أي نعرقبها بالسيوف ، وهو مثل . الأزهري : والفحلة افتحال الإنسان فحلا لدوابه ; وأنشد :


                                                          نحن افتحلنا فحلنا لم نأثله



                                                          قال : ومن قال استفحلنا فحلا لدوابنا فقد أخطأ ، وإنما الاستفحال ما يفعله علوج أهل كابل ، وجهالهم ، وسيأتي . والفحيل : فحل الإبل إذا كان كريما منجبا . وأفحل : اتخذ فحلا ; قال الأعشى :


                                                          وكل أناس وإن أفحلوا     إذا عاينوا فحلكم بصبصوا



                                                          وبعير ذو فحلة : يصلح للافتحال . وفحل فحيل : كريم منجب في ضرابه ; قال الراعي :


                                                          كانت نجائب منذر ومحرق     أماتهن وطرقهن فحيلا



                                                          قال الأزهري : أي وكان طرقهن فحلا منجبا ، والطرق : الفحل [ ص: 136 ] هاهنا ; قال ابن بري : صواب إنشاد البيت : نجائب منذر ، بالنصب ، والتقدير كانت أماتهن نجائب منذر ، وكان طرقهن فحلا . وقيل : الفحيل كالفحل ; عن كراع . وأفحله فحلا : أعاره إياه يضرب في إبله . وقال اللحياني : فحل فلانا بعيرا وأفحله إياه وافتحله أي أعطاه . والاستفحال : شيء يفعله أعلاج كابل ، إذا رأوا رجلا جسيما من العرب خلوا بينه وبين نسائهم رجاء أن يولد فيهم مثله ، وهو من ذلك . وكبش فحيل : يشبه الفحل من الإبل في عظمه ونبله . وفي حديث ابن عمر ، رضي الله عنهما : أنه بعث رجلا يشتري له أضحية فقال : اشتره فحلا فحيلا ; أراد بالفحل غير خصي ، وبالفحيل ما ذكرناه ، وروي عن الأصمعي في قوله فحيلا : هو الذي يشبه الفحولة في عظم خلقه ونبله ، وقيل : هو المنجب في ضرابه ; وأنشد بيت الراعي ، قال : وقال أبو عبيد : والذي يراد من الحديث أنه اختار الفحل على الخصي والنعجة وطلب جماله ونبله . وفي الحديث : لم يضرب أحدكم امرأته ضرب الفحل ; قال ابن الأثير : هكذا جاء في رواية ، يريد فحل الإبل إذا علا ناقة دونه أو فوقه في الكرم والنجابة فإنهم يضربونه على ذلك ويمنعونه منه . وفي حديث عمر : لما قدم الشام تفحل له أمراء الشام أي أنهم تلقوه متبذلين غير متزينين ; مأخوذ من الفحل ضد الأنثى لأن التزين والتصنع في الزي من شأن الإناث والمتأنثين والفحول لا يتزينون . وفي الحديث : إن لبن الفحل حرم يريد بالفحل الرجل تكون له امرأة ولدت منه ولدا ولها لبن ، فكل من أرضعته من الأطفال بهذا فهو محرم على الزوج وإخوته وأولاده منها ومن غيرها ، لأن اللبن للزوج حيث هو سببه ، وهذا مذهب الجماعة ، وقال ابن المسيب والنخعي : لا يحرم ، وسنذكره في حرف النون . الأزهري : استفحل أمر العدو إذا قوي واشتد ، فهو مستفحل ، والعرب تسمي سهيلا الفحل تشبيها له بفحل الإبل وذلك لاعتزاله عن النجوم وعظمه ، وقال غيره : وذلك لأن الفحل إذا قرع الإبل اعتزلها ; ولذلك قال ذو الرمة :


                                                          وقد لاح للساري سهيل كأنه     قريع هجان دس منه المساعر



                                                          الليث : يقال للنخل الذكر الذي يلقح به حوائل النخل فحال ، الواحدة فحالة ; قال ابن سيده : الفحل والفحال ذكر النخل ، وهو ما كان من ذكوره فحلا لإناثه ; وقال :


                                                          يطفن بفحال كأن ضبابه     بطون الموالي يوم عيد تغدت



                                                          قال : ولا يقال لغير الذكر من النخل فحال ; وقال أبو حنيفة عن أبي عمرو : لا يقال فحل إلا في ذي الروح ، وكذلك قال أبو نصر قال أبو حنيفة : والناس على خلاف هذا . واستفحلت النخل : صارت فحالا . ونخلة مستفحلة : لا تحمل ; عن اللحياني ، الأزهري عن أبي زيد : ويجمع فحال النخل فحاحيل ، ويقال للفحال فحل ، وجمعه فحول ، قال أحيحة ابن الجلاح :


                                                          تأبري يا خيرة الفسيل     تأبري من حنذ فشول



                                                          إذ ضن أهل النخل بالفحول

                                                          ، الجوهري : ولا يقال فحال إلا في النخل . والفحل : حصير تنسج من فحال النخل ، والجمع فحول . وفي الحديث : أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، دخل على رجل من الأنصار وفي ناحية البيت فحل من تلك الفحول ، فأمر بناحية منه فكنس ورش ثم صلى عليه ; قال الأزهري : قال شمر : قيل للحصير فحل لأنه يسوى من سعف الفحل من النخيل ، فتكلم به على التجوز كما قالوا : فلان يلبس القطن والصوف وإنما هي ثياب تغزل وتتخذ منهما ; قال المرار :


                                                          والوحش سارية كأن متونها     قطن تباع شديدة الصقل



                                                          أراد كأن متونها ثياب قطن لشدة بياضها ، وسمي الحصير فحلا مجازا . وفي حديث عثمان : أنه قال لا شفعة في بئر ولا فحل والأرف تقطع كل شفعة ; فإنه أراد بالفحل فحل النخل ، وذلك أنه ربما يكون بين جماعة منهم فحل نخل يأخذ كل واحد من الشركاء فيه ، زمن تأبير النخل ، ما يحتاج إليه من الحرق لتأبير النخل ، فإذا باع واحد من الشركاء نصيبه من الفحل بعض الشركاء فيه لم يكن للباقين من الشركاء شفعة في المبيع ، والذي اشتراه أحق به لأنه لا ينقسم والشفعة إنما تجب فيما ينقسم ، وهذا مذهب أهل المدينة وإليه يذهب الشافعي ومالك ، وهو موافق لحديث جابر : إنما جعل رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، الشفعة فيما لم يقسم فإذا حدت الحدود فلا شفعة ; لأن قوله ، عليه السلام ، فيما لم يقسم دليل على أنه جعل الشفعة فيما ينقسم ، فأما ما لا ينقسم مثل البئر وفحل النخل يباع منهما الشقص بأصله من الأرض فلا شفعة فيه ، لأنه لا ينقسم ; قال : وكان أبو عبيد فسر حديث عثمان تفسيرا لم يرتضه أهل المعرفة فلذلك تركته ولم أحكه بعينه ، قال : وتفسيره على ما بينته ولا يقال له إلا فحال . وفحول الشعراء : هم الذين غلبوا بالهجاء من هاجاهم مثل جرير والفرزدق وأشباههما وكذلك كل من عارض شاعرا فغلب عليه ، مثل علقمة بن عبدة وكان يسمى فحلا ، لأنه عارض امرأ القيس في قصيدته التي يقول في أولها :


                                                          خليلي مرا بي على أم جندب



                                                          بقوله في قصيدته :


                                                          ذهبت من الهجران في غير مذهب



                                                          وكل واحد منهما يعارض صاحبه في نعت فرسه ففضل علقمة عليه ولقب الفحل ، وقيل : سمي علقمة الشاعر الفحل لأنه تزوج بأم جندب حين طلقها امرؤ القيس لما غلبته عليه في الشعر . والفحول : الرواة الواحد فحل . وتفحل أي تشبه بالفحل . واستفحل الأمر أي تفاقم . وامرأة فحلة : سليطة . وفحل والفحلاء : موضعان . وفحلان : جبلان صغيران ; قال الراعي :


                                                          هل تونسون بأعلى عاسم ظعنا     وركن فحلين واستقبلن ذا بقر ؟



                                                          وفي الحديث ذكر فحل ، بكسر الفاء وسكون الحاء ، موضع بالشام كانت به وقعة المسلمين مع الروم ; ومنه يوم فحل ، وفيه ذكر فحلين ، [ ص: 137 ] على التثنية ، موضع في جبل أحد .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية