الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ فحم ]

                                                          فحم : الفحم والفحم ، معروف مثل نهر ونهر : الجمر الطافئ . وفي المثل : لو كنت أنفخ في فحم أي لو كنت أعمل في عائدة ; قال الأغلب العجلي :


                                                          هل غير غار هد غارا فانهدم قد قاتلوا لو ينفخون في فحم     وصبروا لو صبروا على أمم



                                                          يقول : لو كان قتالهم يغني شيئا ولكنه لا يغني ، فكان كالذي ينفخ نارا ولا فحم ولا حطب فلا تتقد النار ; يضرب هذا المثل للرجل يمارس أمرا لا يجدي عليه ، واحدته فحمة وفحمة . والفحيم : كالفحم ; قال امرؤ القيس :


                                                          وإذ هي سوداء مثل الفحيم     تغشي المطانب والمنكبا



                                                          وقد يجوز أن يكون الفحيم جمع فحم كعبد وعبيد ، وإن قل ذلك في الأجناس ، ونظير معز ومعيز وضأن وضئين . وفحمة الليل : أوله ، وقيل : أشد سواد في أوله ، وقيل : أشده سوادا ، وقيل : فحمته ما بين غروب الشمس إلى نوم الناس ، سميت بذلك لحرها لأن أول الليل أحر من آخره ولا تكون الفحمة في الشتاء ، وجمعها فحام وفحوم مثل مأنة ومئون ; قال كثير :


                                                          تنازع أشراف الإكام مطيتي     من الليل شيحانا شديدا فحومها

                                                          ويجوز أن يكون فحومها سوادها كأنه مصدر فحم . والفحمة : الشراب في جميع هذه الأوقات المذكورة . الأزهري : ولا يقال للشراب فحمة كما يقال للجاشرية والصبوح والغبوق والقيل . وأفحموا عنكم من الليل وفحموا أي لا تسيروا حتى تذهب فحمته ، والتفحيم مثله . وانطلقنا فحمة السحر أي حينه . وفي الحديث : أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قال : ضموا فواشيكم حتى تذهب فحمة العشاء ; والفواشي : ما انتشر من المال والإبل والغنم وغيرها . وفحمة العشاء : شدة سواد الليل وظلمته ، وإنما يكون ذلك في أوله حتى إذا سكن فوره قلت ظلمته . قال ابن بري : حكى حمزة بن الحسن الأصبهاني أن أبا المفضل قال : أخبرنا أبو معمر عبد الوارث قال : كنا بباب بكر بن حبيب فقال عيسى بن عمر في عرض كلام له : قحمة العشاء ، فقلنا : لعلها فحمة العشاء ، فقال : هي قحمة ، بالقاف ، لا يختلف فيها ، فدخلنا على بكر بن حبيب فحكيناها له فقال : هي فحمة العشاء ، بالفاء لا غير أي فورته . وفي الحديث : اكفتوا صبيانكم حتى تذهب فحمة العشاء ، هي إقباله وأول سواده ; قال : ويقال للظلمة التي بين صلاتي العشاء الفحمة ، والتي بين العتمة والغداة العسعسة . ويقال : فحموا عن العشاء ; يقول : لا تسيروا في أوله حين تفور الظلمة ولكن امهلوا حتى تسكن وتعتدل الظلمة ثم سيروا ; وقال لبيد :


                                                          واضبط الليل إذا طال السرى     وتدجى بعد فور واعتدل

                                                          وجاءنا فحمة بن جمير إذا جاء نصف الليل ; أنشد ابن الكلبي :


                                                          عند ديجور فحمة ابن جمير     طرقتنا والليل داج بهيم

                                                          والفاحم من كل شيء : الأسود بين الفحومة ، ويبالغ فيه فيقال : أسود فاحم . وشعر فحيم : أسود ، وقد فحم فحوما . وشعر فاحم ، وقد فحم فحومة : وهو الأسود الحسن ; وأنشد :


                                                          مبتلة هيفاء رؤد شبابها     لها مقلتا ريم وأسود فاحم

                                                          وفحم وجهه تفحيما : سوده . والمفحم : العيي . والمفحم : الذي لا يقول الشعر . وأفحمه الهم أو غيره : منعه من قول الشعر . وهاجاه فأفحمه : صادفه مفحما . وكلمه ففحم : لم يطق جوابا . وكلمته حتى أفحمته إذا أسكته في خصومة أو غيرها . وأفحمته أي وجدته مفحما لا يقول الشعر . يقال : هاجيناكم فما أفحمناكم . قال ابن بري : يقال هاجيته فأفحمته بمعنى أسكته ، قال : ويجيء أفحمته بمعنى صادفته مفحما ، تقول : هجوته فأفحمته أي صادفته مفحما ، قال : ولا يجوز في هذا هاجيته ، لأن المهاجاة تكون من اثنين ، وإذا صادفه مفحما لم يكن منه هجاء ، فإذا قلت فما أفحمناكم بمعنى ما أسكتناكم ، جاز كقول عمرو بن معديكرب :


                                                          وهاجيناكم فما أفحمناكم

                                                          أي فما أسكتناكم عن الجواب . وفي حديث عائشة مع زينب بنت جحش : فلم ألبث أن أفحمتها أي أسكتها . وشاعر مفحم : لا يجيب مهاجيه ; وقول الأخطل :


                                                          وانزع إليك فإنني لا جاهل     بكم ولا أنا إن نطقت فحوم

                                                          قال ابن سيده : قيل في تفسيره فحوم مفحم ، قال : ولا أدري ما هذا إلا أن يكون توهم حذف الزيادة فجعله كركوب وحلوب ، أو يكون أراد به فاعلا من فحم إذا لم يطق جوابا ، قال : ويقال للذي لا يتكلم أصلا فاحم . وفحم الصبي ، بالفتح ، يفحم ، وفحم فحما وفحاما وفحوما وفحم وأفحم كل ذلك إذا بكى حتى ينقطع نفسه وصوته . الليث : كلمني فلان فأفحمته إذا لم يطق جوابك ; قال أبو منصور : كأنه شبه بالذي يبكي حتى ينقطع نفسه . وفحم الكبش وفحم ، فهو فاحم وفحم : صاح . وثغا الكبش حتى فحم أي صار في صوته بحوحة .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية