الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب المختلفات التي لا يثبت بعضها من أعتق شركا له في عبد حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { من أعتق شركا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة العدل فأعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد وإلا فقد عتق منه ما عتق } .

( أخبرنا ) سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { أيما عبد كان بين اثنين فأعتق أحدهما نصيبه فإن كان موسرا فإنه يقوم عليه بأعلى القيمة أو قيمة عدل ليست بوكس ولا شطط ثم يغرم لهذا حصته } حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال أخبرني قيس بن سعد أنه سمع مكحولا يقول سمعت سعيد بن المسيب يقول { أعتقت امرأة أو رجل ستة أعبد لها ولم يكن لها مال غيرهم فأتى النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فأقرع بينهم فأعتق ثلثهم } ( قال الشافعي ) كان ذلك في مرض المعتق الذي مات فيه أخبرنا عبد الوهاب عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين { أن رجلا من الأنصار أوصى عند موته فأعتق ستة مماليك ليس له مال غيرهم أو قال أعتق عند موته ستة مماليك ليس له شيء غيرهم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال فيه قولا شديدا ثم دعاهم فجزأهم ثلاثة أجزاء فأقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة } .

( قال الشافعي ) وبهذا كله نأخذ وكل واحد من هذه الأحاديث ثابت عندنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن أعتق شركا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة العدل فأعطى شركاءه حصصهم وكان حرا يوم تكلم بالعتق وله ولاؤه وإن لم يكن له مال يبلغ قيمته عتق عليه ما ملك منه ورق ما بقي لأصحابه فيه ومن كان له مماليك لا يملك غيرهم فأعتقهم في مرضه الذي مات فيه عتق بتات ثم مات من مرضه أقرعنا بينهم على ثلاثة أجزاء فأيهم خرج له سهم العتق عتق ورق الباقون ولا يستسعى الرقيق ولا العبد يعتق بعضه في حال . باب الخلاف في هذا الباب

حدثنا الربيع قال قال الشافعي وخالف مذهبنا في هذا بعض الناس فزعم أن الرجل إذا أعتق شركا له في عبد فشريكه بالخيار بين أن يعتق أو يضمنه أو يستسعى العبد فخالفه أصحابه وعابوا هذا القول عليه فقالوا إذا كان المعتق للشقص له في العبد موسرا عتق عليه كله وإن كان معسرا فالعبد حر ويسعى في حصة شريكه وقالوا في ثلاثة مماليك أعتقهم رجل لا مال له غيرهم عند الموت يعتق ثلث كل واحد منهم ويسعى في ثلثي قيمته .

( قال الشافعي ) وسمعت من يحتج بأنه قال بعض هذا بأن روي عن رجل عن سعيد بن أبي عروبة عن [ ص: 674 ] قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة { عن النبي صلى الله عليه وسلم في العبد بين اثنين يعتقه أحدهما وهو معسر يسعى } وروي عن رجل عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن رجل من بني عذرة ( قال الشافعي ) قيل له أو ثابت حديث أبي قلابة لو لم يخالف فيه الذي رواه عن خالد ؟ فقال من حضر هو مرسل ولو كان موصولا كان عن رجل لم يسم ولم يعرف ولم يثبت حديثه فقلت أثابت حديثك عن سعيد بن أبي عروبة لو كان منفردا بهذا الإسناد فيه الاستسعاء ، وقد خالفه شعبة وهشام ؟ فقال بعض من حضره حدثنيه شعبة وهشام هكذا ليس فيه استسعاء وهما أحفظ من ابن أبي عروبة قلت : فلو كان منفردا كان في هذا ما شكك في ثبوت الاستسعاء بالحديث وقيل لبعض من حضر من أهل الحديث لو اختلف نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وحده وهذا الإسناد أيهما كان أثبت ؟ قال نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قلت وعلينا أن نصير إلى الأثبت من الحديثين قال ؟ نعم : قلت فمع نافع حديث عمران بن حصين بإبطال الاستسعاء .

( قال الشافعي ) ولقد سمعت بعض أهل النظر والدين منهم وأهل العلم بالحديث يقول : لو كان حديث سعيد بن أبي عروبة في الاستسعاء منفردا لا يخالفه غيره ما كان ثابتا .

( قال الشافعي ) فعارضنا منهم معارض آخر بحديث آخر في الاستسعاء فقطعه عليه بعض أصحابه وقال لا يذكر مثل هذا الحديث أحد يعرف الحديث لضعفه قال بعضه تناظرك في قولنا وقولك فقلت أو للمناظرة موضع مع ثبوت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بطرح الاستسعاء في حديثي نافع وعمران ؟ قال : إنا نقول إن أيوب ربما قال فقال نافع فقد عتق منه ما عتق وربما لم يقله وأكثر ظني أنه شيء كان يقوله نافع برأيه فقلت له لا أحسب عالما بالحديث وروايته يشك في أن مالكا أحفظ لحديث نافع من أيوب لأنه كان ألزم له من أيوب ولمالك فضل حفظ لحديث أصحابه خاصة ولو استويا في الحفظ فشك أحدهما في شيء لم يشك فيه صاحبه لم يكن في هذا موضع لأن يغلط به الذي لم يشك إنما يغلط الرجل بخلاف من هو أحفظ منه أو يأتي بشيء في الحديث يشركه فيه من لم يحفظ منه ما حفظ وهم عدد ، وهو منفرد وقد وافق مالكا في زيادته وإلا فقد عتق منه ما عتق غيره ، وزاد فيه بعضهم ورق منه ما رق قال فقلت له هل علمت خلقا يخالف حديث عمران بن حصين في حديث القرعة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : لا قلت فكيف كان خلافك له وهو كما وصفت وهو مما نثبت نحن وأنت أكثر من خلافك حديث نافع ومن أين استجزت أن تخالفه وقد علمت أن معارضا لو عارضك فقال : عطية المريض كعطية الصحيح فلم يكن لك عليه حجة أقوى من حديث عمران بن حصين { أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم في عتق المريض عتق بتات أنه وصية } وعلمت أن طاوسا قال : لا تجوز الوصية إلا لقرابة وتأول الوصية للوالدين والأقربين ، فقال نسخ الوالدان بالفرائض ولم ينسخ الأقربون فلم يكن لنا عليه حجة إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزل عتق المماليك وصية وأجازها وهم غير قرابة للمعتق لأنه كان عربيا والرقيق عجم وعلمت أن حجتنا وحجتك في الاقتصار بالوصايا على الثلث من حديث عمران بن حصين دون حديث سعد لأنه ليس ببين في حديث سعد بن أبي وقاص فكيف ثبتناه حتى أصلنا منه هذه الأصول وغيرها واحتججنا به على من خالفنا ثم صرت إلى خلاف شيء منه بلا خبر مخالف له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد علمت أن الذي احتج عليه بعضهم بحديث عمران بن حصين { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل عطية المريض من الثلث } فإن كان حيث عمران ثابتا فقد خالفته وإن كان غير ثابت فلا حجة لك فيه ولكنك وإياه محجوجان به قال : فكيف يعتق ستة يعتق اثنان ويرق أربعة ؟ قلت كما يعطي الرجل الرجل [ ص: 675 ] دارا أو رقيقا له ثلثهم فيقتسمون فينفذ للمعطي بالوصية ثلثهم ويعطي الورثة ثلثيهم فلما أعتق المريض ماله ولغيره جميعا أعتقنا ماله في بعضهم ولم نعتق مال غيره عليه ( قال الشافعي ) قلت له كيف قولك في حديث نثبته نحن وأنت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا وعندك غير واسع تركه لفرض الله علينا قبول ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وإذا أثبتنا عنه شيئا فالفرض علينا اتباعه كما عدلنا وعدلت فقلنا في الجنين غرة ولو كان حيا كانت فيه مائة من الإبل أو ميتا لم يكن فيه شيء وهو لا يعدو أن يكون حيا أو ميتا وكما قلنا نحن وأنت في جميع الجنايات ما جنى رجل ففي ماله إلا الخطأ في بني آدم فعلى عاقلته وكما قلنا نحن وأنت في الديات وغيرها بالأمر الذي ليس فيه إلا الاتباع ولا ينبغي أن يختلف قولك ( قال الشافعي ) رضي الله عنه : فقال فأكلمك في حديث نافع قلت أو للكلام فيه موضع ؟ قال : إنك خلطت فيه بين حكم الرق والحرية قلت ما فعلنا لقد تركناه لنفسه وكسبه كما تركناه لخدمة سيده ما قدرنا فيه على غير هذا كما نفعل لو كان بين اثنين قال أفتجعلون ما اكتسب في يومه له ؟ قلنا : نعم وإن مات ورثه ورثته الأحرار قلنا : نعم قال : قال فتورثونهم منه ولا تورثونه ؟ قلنا نعم لم يخالفنا مسلم علمناه في أنه إذا بقي في العبد شيء من الرق فلا يرث ولا تجوز شهادته فقلنا لا يرث بحال بإجماع وبأن لا تجوز شهادته وغير ذلك من أحكامه قال أفتجد غيره يورث ولا يرث ويحكم له ببعض حكم الحرية ولا يحكم ببعض ؟ قلت نعم الجنين يسقط ميتا يورث ولا يرث والمكاتب نحكم له في منع سيده بيعه وماله بغير حكم العبد ونحكم له فيما سوى ذلك منه بحكم العبد .

( قال الشافعي ) وقلت له أرأيت إذا كان العبد بين اثنين فأعتقه أحدهما فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان المعتق موسرا أن يعطي شريكه قيمة حصته ويكون حرا أتجده أعتقه في هذا الموضع إلا بأن أعطى شريكه الذي لم يعتق قيمة نصيبه منه إذا خرج نصيبه من يديه ؟ قال : لا قلت فإذا لم يثبت لك أن النبي صلى الله عليه وسلم أعتقه على المعسر واستسعاه أما خالفت رسول الله والقياس على قوله إذا أعتقه فأخرجته من مال مالكه الذي لم يعتقه بغير قيمة دفعها إليه قال اجعل العبد يسعى فيها قلت فقال لك العبد لا أسعى فيها إن كان الذي أعتقني يعتقني وإلا لا حاجة لي في السعاية أما ظلمت السيد وخالفت السنة وظلمت العبد إذ جعلت عليه قيمة لم يجن فيها جناية ولم يرض بالقيمة منه فدخل عليك ما تسمع مع خلافك فيه السنة .

التالي السابق


الخدمات العلمية