الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وقوله : إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا ؛ بين من هم المؤمنون؛ فقال : الذين يقيمون الصلاة ؛ وإقامتها تمامها بجميع فرضها؛ وأول فروضها صحة الإيمان بها؛ وهذا كقولك : " فلان قائم بعلمه الذي وليه " ؛ تأويله : إنه يوفي العمل حقوقه؛ ومعنى [ ص: 184 ] " يقيمون " : من قولك : " هذا قوام الأمر " ؛ فأما قوله : أذلة على المؤمنين ؛ فمخفوض على نعت " قوم " ؛ وإن شئت كانت نصبا على وجهين؛ أحدهما الحال؛ على معنى " يحبهم ويحبونه " ؛ في حال تذللهم على المؤمنين؛ وتعززهم على الكافرين؛ ويجوز أن يكون نصبا على المدح. فأما قوله - عز وجل - : وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم ؛ أي : قفينا على آثار الرسل بعيسى؛ أي : جعلناه يقفوهم؛ وقوله : مصدقا لما بين يديه من التوراة ؛ أي : لما تقدم من التوراة؛ ونصب " مصدقا " ؛ على الحال؛ وهو جائز أن يكون من صفة " الإنجيل " ؛ فهو منصوب بقوله : " وآتيناه " ؛ المعنى : " آتيناه الإنجيل مستقرا فيه هدى ونور ومصدقا " ؛ ويجوز أن يكون حالا من " عيسى " ؛ المعنى : " وآتيناه الإنجيل هاديا ومصدقا " ؛ لأنه إذا قيل : " آتيناه الإنجيل فيه هدى " ؛ فالذي أتى بالهدى هو هاد؛ والأحسن أن يكون على معنى " وقفينا بعيسى آتيا بالإنجيل وهاديا ومصدقا لما بين يديه من التوراة " ؛ والدليل على أنه من صفة " عيسى " ؛ قوله : يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة وقوله : لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ؛ قال بعضهم : " الشرعة " : الدين؛ و " المنهاج " : الطريق؛ وقيل : " الشرعة " ؛ و " المنهاج " ؛ جميعا : الطريق؛ والطريق ههنا : الدين؛ ولكن اللفظ إذا اختلف أتي منه بألفاظ تؤكد بها القصة؛ والأمر؛ نحو قول الشاعر : [ ص: 185 ]

                                                                                                                                                                                                                                        حييت من طلل تقادم عهده ... أقوى وأقفر بعد أم الهيثم



                                                                                                                                                                                                                                        فإن معنى " أقوى وأقفر " ؛ يدل على الخلوة؛ إلا أن اللفظين أوكد في الخلو من لفط واحد؛ وقال أبو العباس محمد بن يزيد : " شرعة " ؛ معناها : ابتداء الطريق؛ و " المنهاج " : الطريق المستمر؛ قال : وهذه الألفاظ إذا تكررت في مثل هذا فللزيادة في الفائدة؛ قال : وكذلك قول الحطيئة :

                                                                                                                                                                                                                                        ألا حبذا هند وأرض بها هند ... وهند أتى من دونها النأي والبعد

                                                                                                                                                                                                                                        قال : " النأي " ؛ لكل ما قل بعده منك أو كثر؛ كأنه يقول : " النأي " : المفارقة؛ قلت؛ أو كثرت؛ و " البعد " ؛ إنما يستعمل في الشيء البعيد؛ ومعنى البعيد عنده ما كثرت مسافة مفارقته؛ وكأنه يقول لما قرب منه : هو ناء عني؛ وكذلك لما بعد عنه؛ و " النأي " ؛ عنده : المفارقة.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية