الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      [ اختلاف الأصوليين في تحديد مذهب الصيرفي ]

                                                      وإنما حكيت كلام الصيرفي بنصه لعزة وجود هذا الكتاب ، ولأنه قد وقع أغلاط لجماعة من الأكابر في النقل عنه ، فأردت الاستظهار في ذلك ، وبيانه بأمور :

                                                      أحدها : قالوا : إن قول الصيرفي : يجوز التمسك بالعام ابتداء من غير طلب المخصص يحتمل معنيين ; أحدهما : أنه يجب على المجتهد أن يظن عمومه إذ ذاك ، إذ ليس من شرطه حكما والتمسك بالدليل أن يكون قاطعا بمقتضى الدليل الذي تمسك به . والثاني : أنه يجب عليه أن يقطع بعمومه إذ ذاك ، لكن صرح إمام الحرمين وغيره بالاحتمال الثاني نقلا عنه ، فأغلظ القول عليه .

                                                      قلت : وكذلك القاضي أبو الطيب الطبري نصب خلاف الصيرفي في وجوب اعتقاد العموم ، وكذلك ابن برهان في " الأوسط " وسليم الرازي في " التقريب " وابن السمعاني في " القواطع " ولم يذكروا وجوب العمل ، وما سكتوا عنه ، فقد صرح به غيرهم .

                                                      وقال المازري : لم يرد الرجل هذا ، وإنما أراد اعتقاد وجوب العمل به ، قال المقترح في تعليقه على " البرهان " : والظاهر أن الصيرفي إنما أراد الاحتمال الأول ا هـ . [ ص: 59 ] وقد علمت أن الصيرفي فرض للمسألة أحوالا ثلاثة ، وجعل بعضها من الاحتمال الأول ، وبعضها من الأخير ، ففي الحالة الأولى ، وهي أن يخاطبه عليه السلام ، باللفظ العام يجب عليه العمل بمقتضى العموم ، ولم يختر اعتقاد العموم بخلافه في الحالتين الأخيرتين ، فتأمل كلامه .

                                                      وقال الأصفهاني استفدنا منه أن العمل به مقطوع ، أما مطلق اللفظ العام إن أراد به العموم فلا قطع فيه : وهذا الذي اشتبه على من قال : إن الأحكام الثابتة بأخبار الآحاد ونحوها مما يفيد الظن أحكام معلومة ، ولم يعرف أن المقطوع به وجوب العمل لأن الحكم المظنون معلوم .

                                                      الأمر الثاني : أن إمام الحرمين صور محل الخلاف في صورة خاصة ، فقال : إذا وردت الصيغة الظاهرة في اقتضاء العموم ، ولم يدخل وقت العمل بموجبها ، فقد قال أبو بكر الصيرفي : يجب على المتعبدين اعتقاد عمومها على جزم ، ثم إن كان الأمر على ما اعتقدوه فذاك ، وإن تبين أن الخصوص تغير العقد انتهى . والصواب في النقل عنه إطلاق العموم سواء قبل حضور وقت العمل به أو بعده ; بل هو مصرح بالعمل به قبل البحث عن المخصص ، ونقل ذلك أيضا في كتابه " البيان في أصول الفقه " وكذلك نقله عنه الجمهور كما سبق التصريح به في كلامهم ، ولم يقيد أحد منهم النقل عنه بهذه الحالة .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية