الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
إلجام الخصم بالحجة

وهو الاحتجاج على المعنى المقصود بحجة عقلية ، تقطع المعاند له فيه . والعجب [ ص: 512 ] من ابن المعتز في " بديعه " حيث أنكر وجود هذا النوع في القرآن ، وهو من أساليبه .

ومنه قوله تعالى : لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ( الأنبياء : 22 ) ثم قال النحاة : إن الثاني امتنع لأجل امتناع الأول ، وخالفهم ابن الحاجب ، وقال : الممتنع الأول لأجل الثاني ، فالتعدد منتف لأجل امتناع الفساد .

وقوله : قل يحييها الذي أنشأها أول مرة ( يس : 79 ) .

وقوله : أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم ( يس : 81 ) وقوله حكاية عن الخليل وحاجه قومه إلى قوله : وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه 3 .

وقوله : وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه ( الروم : 27 ) المعنى : أن الأهون أدخل في الإمكان من غيره ، وقد أمكن هو ، فالإعادة أدخل في الإمكان من بدء الخلق .

وقوله تعالى : ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا . . . ( المؤمنون : 91 ) الآية ، وهذه حجة عقلية تقديرها : أنه لو كان خالقان لاستبد كل منهما بخلقه ، فكان الذي يقدر عليه أحدهما لا يقدر عليه الآخر ، ويؤدي إلى تناهي مقدوراتهما ، وذلك يبطل الإلهية ، فوجب أن يكون الإله واحدا ثم زاد في [ ص: 513 ] الحجاج فقال : ولعلا بعضهم على بعض ( المؤمنون : 91 ) أي : ولغلب بعضهم بعضا في المراد ، ولو أراد أحدهما إحياء جسم والآخر إماتته لم يصح ارتفاع مرادهما ؛ لأن رفع النقيضين محال ، ولا وقوعهما للتضاد ، فنفى وقوع أحدها دون الآخر ، وهو المغلوب ، وهذه تسمى دلالة التمانع ، وهي كثيرة في القرآن ، كقوله تعالى : إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا ( الإسراء : 42 ) .

وقوله : ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ( الأنفال : 23 ) .

وقوله : أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون ( الواقعة : 58 ، 59 ) فبين أنا لم نخلق المني لتعذره علينا ، فوجب أن يكون الخالق غيرنا .

ومنه نوع منطقي وهو استنتاج النتيجة من مقدمتين ، وذلك من أول سورة الحج إلى قوله : وأن الله يبعث من في القبور ( الآية : 7 ) فنطق على خمس نتائج من عشر مقدمات ؛ فالمقدمات من أول السورة إلى قوله : وأنبتت من كل زوج بهيج ( الحج : 5 ) والنتائج من قوله : ذلك بأن الله هو الحق ( الحج : 6 ) إلى قوله : وأن الله يبعث من في القبور ( الحج : 7 ) .

وتفصيل ترتيب المقدمات والنتائج أن يقول : أخبر الله أن زلزلة الساعة شيء عظيم ، وخبره هو الحق ، ومن أخبر عن الغيب بالحق فهو حق بأنه هو الحق ، وأنه يأتي بالساعة على تلك الصفات ، ولا يعلم صدق الخبر إلا بإحياء الموتى ليدركوا ذلك ، ومن يأتي بالساعة يحيي الموتى ؛ فهو يحيي الموتى ، وأخبر أنه يجعل الناس من هول الساعة سكارى لشدة العذاب ، ولا يقدر على عموم الناس لشدة العذاب إلا من هو على كل شيء قدير ؛ فإنه على كل شيء قدير . وأخبر أن الساعة يجازى فيها من يجادل في الله بغير علم ، ولا بد من مجازاته ، ولا يجازى حتى تكون الساعة آتية ، ولا تأتي الساعة حتى يبعث من في القبور ، فهو يبعث [ ص: 514 ] من في القبور ، والله ينزل الماء على الأرض الهامدة فتنبت من كل زوج بهيج ، والقادر على إحياء الأرض بعد موتها يبعث من في القبور .

ومنه قوله تعالى : ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد ( ص : 26 ) مقدمتان ونتيجة ؛ لأن اتباع الهوى يوجب الضلال ، والضلال يوجب سوء العذاب ؛ فأنتج أن اتباع الهوى يوجب سوء العذاب .

وقوله : فلما أفل قال لا أحب الآفلين ( الأنعام : 76 ) أي : القمر أفل ، وربي ليس بآفل ، فالقمر ليس بربي ، أثبته بقياس اقتراني جلي من الشكل الثاني ، واحتج بالتعبير على الحدوث والحدوث على المحدث .

التالي السابق


الخدمات العلمية