الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      ابن الأبار

                                                                                      الإمام العلامة البليغ الحافظ المجود المقرئ مجد العلماء أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي بكر بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أحمد بن أبي بكر القضاعي الأندلسي البلنسي الكاتب المنشئ ، ويقال له : الأبار وابن الأبار .

                                                                                      ولد سنة خمس وتسعين وخمسمائة .

                                                                                      وسمع من أبيه الإمام أبي محمد الأبار ، والقاضي أبي عبد الله بن نوح الغافقي ، وأبي الخطاب بن واجب ، وأبي داود سليمان بن حوط الله ، وأبي عبد الله بن سعادة ، وحسين بن زلال ، وأبي عبد الله بن اليتيم ، والحافظ أبي الربيع بن سالم ، ولازمه ، وتخرج به .

                                                                                      وارتحل في مدائن الأندلس ، وكتب العالي والنازل ، وكانت له إجازة من أبي بكر بن حمزة ، استجازه له أبوه .

                                                                                      [ ص: 337 ] حدث عنه محمد بن أحمد بن حيان الأوسي وطائفة .

                                                                                      وذكره أبو جعفر بن الزبير وقال : هو محدث بارع ، حافل ، ضابط ، متقن ، وكاتب بليغ وأديب حافل حافظ . روى عن أبيه كثيرا ، وسمى جماعة .

                                                                                      إلى أن قال : واعتنى بباب الرواية اعتناء كثيرا ، وألف " معجمه " وكتاب " تحفة القادم " ووصل " صلة " ابن بشكوال عرفت به بعد تعليقي هذا الكتاب بمدة - يعني كتاب " الصلة " لابن الزبير - قال : وكان متفننا متقدما في الحديث والآداب سنيا متخلقا فاضلا قتل صبرا ظلما وبغيا في أواخر عشر ستين وستمائة .

                                                                                      قلت : كان بصيرا بالرجال المتأخرين ، مؤرخا ، حلو التترجم ، فصيح العبارة ، وافر الحشمة ، ظاهر التجمل ، من بلغاء الكتبة ، وله تصانيف جمة منها " تكملة الصلة " في ثلاثة أسفار اخترت منها نفائس .

                                                                                      انتقل من الأندلس عند استيلاء النصارى ، فنزل تونس مدة ، فبلغني أن بعض أعدائه شغب عليه عند ملك تونس ، بأنه عمل تاريخا وتكلم في جماعة ، وقالوا : هو فضولي يتكلم في الكبار ، فأخذ ، فلما أحس بالتلف قال لغلامه : خذ البغلة لك ، وامض حيث شئت ، فلما أدخل ، أمر الملك بقتله ، فنعوذ بالله من شر كل ذي شر ، هذا معنى ما حكى لي الإمام أبو الوليد بن الحاج رحمه الله من قتله .

                                                                                      ومن تواليفه " الأربعون " عن أربعين شيخا من أربعين تصنيفا لأربعين [ ص: 338 ] عالما من أربعين طريقا إلى أربعين تابعيا عن أربعين صحابيا لهم أربعون اسما من أربعين قبيلة في أربعين بابا .

                                                                                      أخبرنا أبو عبد الله بن جابر المقرئ سنة 734 ، أخبرنا محمد بن أحمد بن حيان بتونس سنة سبع عشرة ، حدثنا أبو عبد الله بن الأبار ، حدثنا أبو عامر نذير بن وهب بن لب الفهري بقراءتي حدثنا أبي أبو العطاء ، حدثنا أبي القاضي أبو عيسى لب بن عبد الملك بن أحمد ، حدثنا أبي أبو مروان ، حدثنا علي بن عيسى الجذامي صاحب الصلاة ، حدثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي زمنين الألبيري في كتاب " أدب الإسلام " ، حدثني الفقيه إسحاق بن إبراهيم الطليطلي ، عن أحمد بن خالد ، عن ابن وضاح ، عن ابن أبي شيبة ، حدثنا وكيع ، عن إسماعيل ، عن قيس ، عن جرير ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يرحم الله من لا يرحم الناس .

                                                                                      هذا حديث صحيح وقع لنا نازلا بسبع درجات عما أخبرنا ابن أبي عمر وغيره إجازة ، قالوا : أخبرنا عمر بن محمد ، أخبرنا هبة الله بن محمد ، أخبرنا محمد بن محمد بن غيلان ، أخبرنا أبو بكر الشافعي ، حدثنا محمد بن شداد ، حدثنا يحيى القطان ، عن إسماعيل بهذا .

                                                                                      وقد رأيت لأبي عبد الله الأبار جزءا سماه " درر السمط في خبر السبط عليه السلام " يعني الحسين بإنشاء بديع يدل على تشيع فيه ظاهر ، لأنه يصف عليا رضي الله عنه بالوصي ، وينال من معاوية وآله ، وأيضا رأيت له [ ص: 339 ] أوهاما في تيك " الأربعين " نبهت عليها .

                                                                                      وكان مصرعه في العشرين من المحرم عام ثمانية وخمسين وستمائة بتونس .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية