الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          611 - مسألة : ويصلى على كل مسلم ، بر ، أو فاجر ، مقتول في حد ، أو في حرابة ، أو في بغي ، ويصلي عليهم الإمام ، وغيره - ولو أنه شر من على ظهر الأرض ، إذا مات مسلما لعموم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله { صلوا على صاحبكم } والمسلم صاحب لنا . قال تعالى : { إنما المؤمنون إخوة } .

                                                                                                                                                                                          وقال تعالى : { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض } .

                                                                                                                                                                                          فمن منع من الصلاة على مسلم فقد قال قولا عظيما ، وإن الفاسق لأحوج إلى دعاء إخوانه المؤمنين من الفاضل المرحوم ؟

                                                                                                                                                                                          وقال بعض المخالفين : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصل على " ماعز " ؟ قلنا : نعم ، ولم نقل إن فرضا على الإمام أن يصلي على من رجم ، إنما قلنا : له أن يصلي عليه كسائر الموتى ، وله أن يترك كسائر الموتى ، ولا فرق - وقد أمرهم عليه السلام بالصلاة عليه ، ولم يخص بذلك من لم يرجمه ممن رجمه وقد روينا من طريق أحمد بن شعيب : أنا عبيد الله بن سعيد نا يحيى هو ابن سعيد القطان - عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن يحيى بن حبان عن أبي عمرة عن زيد بن خالد الجهني ، قال { مات رجل بخيبر ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صلوا [ ص: 400 ] على صاحبكم ، إنه قد غل في سبيل الله ، قال : ففتشنا متاعه ، فوجدنا خرزا من خرز يهود ، لا يساوي درهمين } .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : وهؤلاء الحنفيون ، والمالكيون - المخالفون لنا في هذا المكان - لا يرون امتناع النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة على الغال حجة في المنع من أن يصلي الإمام على الغال ، فمن أين وجب عندهم أن يكون تركه عليه السلام أن يصلي على " ماعز " حجة في المنع من أن يصلي على المرجوم الإمام ؟ وكلاهما ترك وترك إن هذا لعجب فكيف وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على من رجم ؟ - : كما روينا من طريق أحمد بن شعيب : أنا إسماعيل بن مسعود نا خالد هو ابن الحارث - نا هشام هو الدستوائي - عن يحيى هو ابن أبي كثير - عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن الحصين { أن امرأة من جهينة أتت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : إني زنيت - وهي حبلى - فدفعها إلى وليها ، وقال له : أحسن إليها ، فإذا وضعت فأتني بها ، فأمر بها فشكت عليها ثيابها ، ثم رجمها ، ثم صلى عليها ، فقال له عمر : تصلي عليها وقد زنت ؟ قال : لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم ، وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها } .

                                                                                                                                                                                          فقد صلى عليه السلام على من رجم فإن قيل : تابت ؟ قلنا : و " ماعز " تاب أيضا ولا فرق

                                                                                                                                                                                          والعجب كله من منعهم الإمام من الصلاة على من أمر برجمه ، ولا يمنعون المتولين للرجم من الصلاة عليه : فأين القياس لو دروا ما القياس ؟ [ ص: 401 ] وروينا عن علي بن أبي طالب : أنه إذ رجم شراحة الهمدانية قال لأوليائها : اصنعوا بها كما تصنعون بموتاكم ؟ وصح عن عطاء أنه يصلى على ولد الزنى ، وعلى أمه ، وعلى المتلاعنين ، وعلى الذي يقاد منه ، وعلى المرجوم ، والذي يفر من الزحف فيقتل . قال عطاء : لا أدع الصلاة على من قال لا إله إلا الله . قال تعالى : { من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم } قال عطاء : فمن يعلم أن هؤلاء من أصحاب الجحيم ؟ قال ابن جريج : فسألت عمرو بن دينار فقال : مثل قول عطاء

                                                                                                                                                                                          وصح عن إبراهيم النخعي أنه قال : لم يكونوا يحجبون الصلاة عن أحد من أهل القبلة ، والذي قتل نفسه يصلى عليه . وأنه قال : السنة أن يصلى على المرجوم .

                                                                                                                                                                                          فلم يخص إماما من غيره ؟ وصح عن قتادة : صل على من قال : لا إله إلا الله ، فإن كان رجل سوء جدا فقل : اللهم اغفر للمسلمين ، والمسلمات ، والمؤمنين ، والمؤمنات - ما أعلم أحدا من أهل العلم اجتنب الصلاة على من قال : لا إله إلا الله ؟

                                                                                                                                                                                          وصح عن ابن سيرين : ما أدركت أحدا يتأثم من الصلاة على أحد من أهل القبلة .

                                                                                                                                                                                          وصح عن الحسن أنه قال : يصلى على من قال لا إله إلا الله وصلى إلى القبلة ، إنما هي شفاعة ؟

                                                                                                                                                                                          ومن طريق وكيع عن أبي هلال عن أبي غالب قلت لأبي أمامة الباهلي : الرجل يشرب الخمر ، أيصلى عليه ؟ قال : نعم ، لعله اضطجع مرة على فراشه فقال : لا إله إلا الله ، فغفر له ؟

                                                                                                                                                                                          وعن ابن مسعود : أنه سئل عن رجل قتل نفسه : أيصلى عليه ؟ [ ص: 402 ] فقال : لو كان يعقل ما قتل نفسه

                                                                                                                                                                                          وصح عن الشعبي : أنه قال في رجل قتل نفسه : ما مات فيكم مذ كذا وكذا أحوج إلى استغفاركم منه ؟ وقد روينا في هذا خلافا من طريق عبد الرزاق عن أبي معشر عن محمد بن كعب عن ميمون بن مهران ، أنه شهد ابن عمر صلى على ولد زنى ، فقيل له : إن أبا هريرة لم يصل عليه ، وقال : هو شر الثلاثة ؟ فقال ابن عمر : هو خير الثلاثة

                                                                                                                                                                                          وقد روينا من طريق وكيع عن الفضيل بن غزوان عن نافع عن ابن عمر : أنه كان لا يصلي على ولد زنى ، صغير ولا كبير

                                                                                                                                                                                          ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري أنه قال له : لا يصلى على المرجوم ، ويصلى على الذي يقاد منه ، إلا من أقيد منه في رجم - فلم يخص الزهري إماما من غيره

                                                                                                                                                                                          وأما الصلاة على أهل المعاصي فما نعلم لمن منع من ذلك سلفا من صاحب ، أو تابع في هذا القول ؟

                                                                                                                                                                                          وقولنا هذا هو قول سفيان ، وابن أبي ليلى ، وأبي حنيفة ، والشافعي ، وأبي سليمان ؟ قال أبو محمد : لقد رجانا الله تعالى في العفو والجنة حتى نقول قد فزنا .

                                                                                                                                                                                          ولقد خوفنا عز وجل حتى نقول : قد هلكنا ، إلا أننا على يقين من أن لا خلود على مسلم في النار - وإن لم يفعل خيرا قط غير شهادة الإسلام بقلبه ولسانه ، ولا امتنع من شر قط غير الكفر ، ولعله قد تاب من هذه صفته قبل موته ، فسبق المجتهدين ، أو لعل له حسنات لا نعلمها تغمر سيئاته

                                                                                                                                                                                          فمن صلى على من هذه صفته ، أو على ظالم للمسلمين متبلغ فيهم ، أو على من له قبله مظالم لا يريد أن يغفرها له - : فليدع له كما يدعو لغيره ، وهو يريد بالمغفرة والرحمة ما يئول إليه أمره بعد القصاص ، وليقل : اللهم خذ لي بحقي منه

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية