الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
التعديد

هي إيقاع الألفاظ المبددة على سياق واحد ؛ وأكثر ما يؤخذ في الصفات ؛ ومقتضاها ألا يعطف بعضها على بعض لاتحاد محلها ، ولجريها مجرى الوصف في الصدق على ما صدق ؛ ولذلك يقل عطف بعض صفات الله تعالى على بعض في التنزيل ، وذلك كقوله : الله لا إله إلا هو الحي القيوم ( البقرة : 255 ) .

وقوله : الخالق البارئ المصور ( الحشر : 24 ) .

وقوله : الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار ( الحشر : 23 ) .

وإنما عطف قوله : هو الأول والآخر والظاهر والباطن ( الحديد : 3 ) لأنها أسماء متضادة المعاني في موضوعها ، فرفع الوهم بالعطف عمن يستبعد ذلك في ذات واحدة ؛ لأن الشيء الواحد لا يكون ظاهرا باطنا من وجه واحد ، وكان العطف فيه أحسن ، ولذلك عطف " الناهون " على " الآمرون " و " أبكارا " على " ثيبات " ، من قوله : التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله ( التوبة : 112 ) .

وقوله : أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا ( التحريم : 5 ) فجاء العطف لأنه لا يمكن اجتماعهما في محل واحد بخلاف ما قبله .

وقوله : غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول ( غافر : 3 ) إنما عطف فيه بعضا ولم يعطف بعضا ، لأن غافرا وقابلا يشعران بحدوث المغفرة والقبول ، وهما من صفات الأفعال ، وفعله في غيره لا في نفسه ، فدخل العطف للمغايرة لتنزلهما منزلة [ ص: 519 ] الجملتين ؛ تنبيها على أنه سبحانه يفعل هذا ويفعل هذا ، وأما شديد العقاب فصفة مشبهة ، وهي تشعر بالدوام والاستمرار ، فتدل على القوة ، ويشبه ذلك صفات الذات .

وقوله : ذي الطول ( غافر : 3 ) المراد به ذاته ، فترك العطف لاتحاد المعنى .

وقد جاء قليلا في غير الصفات ، كقوله تعالى : إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات . . . ( الأحزاب : 35 ) الآية ، قال الزمخشري : العطف الأول كقوله : ثيبات وأبكارا في أنهما جنسان مختلفان ، إذا اشتركا في حكم لم يكن بد من توسيط العاطف بينهما ، وأما العطف الثاني فمن عطف الصفة على الصفة بحرف الجمع ، فكان معناه أن الجامعين والجامعات لهذه الصفات أعد لهم مغفرة . انتهى .

وقال بعضهم : الصفات المتعاطفة إن علم أن موصوفها واحد من كل وجه كقوله : غافر الذنب وقابل التوب ( غافر : 3 ) فإن الموصوف الله ، وإما في النوع كقوله : ثيبات وأبكارا ( التحريم : 5 ) فإن الموصوف الأزواج ، وقوله : الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر ( التوبة : 112 ) فإن الموصوف النوع الجامع للصفات المتقدمة ، وإن لم يعلم أن موصوفها واحد من جهة وضع اللفظ ، فإن دل دليل على أنه من عطف الصفات اتبع كهذه الآية ، فإن هذه الأعداد لمن جمع الطاعات العشر لا لمن انفرد بواحدة منها ؛ إذ الإسلام والإيمان كل منهما شرطه في الآخر ، وكلاهما شرط في حصول الأجر على البواقي ، ومن كان مسلما مؤمنا فله أجره ، ولكن ليس هذا الأجر العظيم الذي أعده الله في هذه الآية الكريمة وقرن به إعداد المغفرة زائدا على المغفرة ، فلخصوص هذه الآية جعل الزمخشري ذلك من عطف الصفات والموصوف واحد ، فلو لم يكن كذلك واحتمل تقدير موصوف مع كل صفة وعدمه ، حمل على التقدير ؛ فإن ظاهر العطف التغاير ، ولا يقال : الأصل عدم التقدير ؛ لأن الظاهر يقدم على رعاية ذلك الأصل .

ومثاله قوله تعالى : إنما الصدقات للفقراء والمساكين . . . ( التوبة : 60 ) الآية ، ولو كان من عطف الصفات لم يستحق الصدقة إلا من جمع الصفات الثماني ، ولذلك إذا وقف على الفقهاء والنحاة والفقراء استحق من فيه إحدى الصفات .

التالي السابق


الخدمات العلمية