الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( والثالث ) ما يخرج وعليه قشرتان كالجوز واللوز والرانج ، فالمنصوص أنه كالرمان لا يدخل في بيع الأصل ; لأن قشره لا يتشقق عنه كما لا يتشقق قشر الرمان ، ومن أصحابنا من قال : هو كثمرة النخل الذي لم يؤبر ; لأنه لا يترك في القشر الأعلى كما لا تترك الثمرة في الطلع .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) الرانج - براء مهملة ونون بعد الألف مكسورة وجيم - وهو الجوز الهندي ، وهو النارجيل ، إذا علم ذلك فهذا الضرب ، وهو الثالث من الضرب الثالث ، فالجوز واللوز والرانج قد تقدم أن الشافعي ذكره مع الرمان ، وحكم في الجميع بأنه للبائع إلا أن يشترط المبتاع ، وبذلك قطع صاحب التقريب ; لأن قشوره لا تزول في الغالب لا عند القطف ، وبعد القشرة العليا من الثمرة ، بخلاف الكمام فإنه يعد من الشجرة ، ويترك الكمام عند القطع على الأشجار ، ونزل [ ص: 71 ] السعف والكرانيف ، وقشور الجوز ليست كذلك ، قال الشيخ أبو حامد : ( أما ) الذي لا إشكال فيه فالرمان والموز ، وقال في الجوز واللوز : ظاهر قول الشافعي أنه وإن لم تتشقق القشرة الأولى فهو للبائع ، قال : وقال أصحابنا : إنما جعله بمنزلة الرمان إذا ظهرت القشرة التي تلي اللب . وظاهر هذا الكلام من الشيخ أبي حامد أن ذلك عن الأصحاب ، والقاضي أبو الطيب جعل الشيخ أبا حامد هو المخالف في ذلك ، فقال : وغلط الشيخ أبو حامد فقال : الجوز يتشقق قشره الفوقاني عنه ، ويسقط ويظهر السفلاني ، فيجب أن يكون ذلك بمنزلة النخل ، فإن لم يكن تشقق فهو للمشتري ، وإن تشقق فهو للبائع ، قال القاضي أبو الطيب : وهذا خلاف نصه ; لأن الشافعي رضي الله عنه قال : تشقق القشرة من هذا ليس من صلاحه إذا كان على رءوس الشجر ; لأنه كتشقق الرمان الذي ليس فيه صلاحه ، وكان ذلك هو الحامل للمصنف على نسبة الخلاف إلى بعض الأصحاب مبهما من غير تعيين ، وقطع الماوردي ونصر المقدسي في الكافي بما قاله أبو حامد .

                                      وقال الروياني : إنه الأقيس وقال المحاملي في المجموع : قال الشيخ : وقد ذكر الشافعي رضي الله عنه أن حكم الجوز واللوز قشرة عليا وسفلى ; لأنه ليس بالحجاز شجر الجوز واللوز ، فحمل أمره على أن له قشرة واحدة ، وأجراه مجرى الرمان والموز ، أو علم ذلك ولكنه فرض المسألة فيه إذا زالت عنه القشرة العليا وبقيت السفلى ، والدليل على أنه أراد هذا أنه قال : دونه حائل لا يزال عنه إلا في وقت الحاجة إلى أكله ، وهذا صفة القشرة السفلى دون العليا . ( قلت : ) أما الاحتمال الأول فبعيد ؟ ; لأن في مختصر المزني في باب الوقت الذي يحل فيه بيع الثمار ، وكذلك في الأم وهو بعد الموضع بشيء يسير ، أن على الجوز قشرتين : واحدة فوق القشرة التي يدفعها الناس عليه ، ولا يجوز بيعه ، وعليه القشرة العليا ; لأنه يصلح أن يدفع بدون العليا ، وكذلك الرانج فلا يجوز أن ينسب إلى الشافعي أنه لم يكن يعرف حال الجوز ، وأما الاحتمال الثاني فهو [ ص: 72 ] قريب ولا يأباه كلام الشافعي ، فإن عبارته في الأم : " وذلك أن قشر هذا لا ينشق عما في أجوافه ، وصلاحه في بقائه " هذا كلام الشافعي بحروفه ، وليس فيها ما يوجب أن يكون المراد القشرة العليا دون السفلى ، بل تعليل الشافعي رضي الله عنه بأن صلاحه في بقائه يفهم أن ما ليس صلاحه في بقائه لا يكون للبائع إلا إذا زال عنه ، وقشرة الجوز واللوز العليا من هذا القبيل ، فإن كانت تشقق عنه وهو على الشجر فينبغي أن يكون الأمر كما قال الشيخ أبو حامد وتغليط القاضي أبي الطيب غير متجه لكني أقول : إن تشقق القشرة العليا من على الجوز واللوز إنما يكون بعد يبسه ونهايته وكثيرا ما يؤخذ من على الشجرة مع قشرته كاللوز العاقد ، والرانج أيضا كثيرا ما يؤخذ في قشرته بعد نهايته ، بل العادة مطردة في كل ما له قشران فليس هو كثمرة النخل قبل التأبير فينبغي أن يكون للمشتري كما يقتضيه إطلاق النص ، وإن كان للتأويل فيه محتمل ، والله أعلم .

                                      واعلم أن اللوز إذا كان أخضر صغيرا ; يؤكل في قشرته ، ويجوز بيعه مع تلك القشرة كما ذكره القاضي حسين ; لأنه مقصود كاللب ، سواء مع ذلك المنصوص كما تقدم أنه يدخل في بيع الأصل ، فكأنهم شبهوه بالطلع في اللوز إذا كان صغيرا . فإنه يؤكل كله ، ولا ينقطع من التبعية حتى يظهر من اللوز ، والله أعلم . وقد نقل إمام الحرمين عن العراقيين ما ذكرناه عن الشيخ أبي حامد ، وذكر عن صاحب التقريب خلافه ، وكأنه لما وقف على كلام الشيخ أبي حامد نسب ذلك إلى العراقيين وقد عرفت كلامهم وهذا وهم منه ، ونص الشافعي على خلاف ذلك ، وأورد ابن الرفعة على أبي حامد أنه يقول بأن ما له نور يكون للبائع بخروج نوره ، وهذا منه ، فإذا انعقد كان للبائع بطريق الأولى ، قال : إلا أن يقال في الجواب : إن ذلك قاله في ثمرة تخرج في جوف نور ، والجوز ليس كذلك ، فإن البندنيجي قال : إنه يورد أولا وردا لا تخرج الثمرة من جوفه ، بل يذهب الورد وينعقد بعد ذهابه ثمرة كهيئة التين أول ما يطلع ، وسيأتي في الضرب الرابع كلام عن البندنيجي يتعلق بهذا الضرب في اللوز .




                                      الخدمات العلمية