الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ فرط ]

                                                          فرط : الفارط : المتقدم السابق ، فرط يفرط فروطا . قال أعرابي للحسن : يا أبا سعيد ، علمني دينا وسوطا ، لا ذاهبا فروطا ، ولا ساقطا سقوطا أي دينا متوسطا لا متقدما بالغلو ولا متأخرا بالتلو قال له الحسن : أحسنت يا أعرابي ! خير الأمور أوساطها . وفرط غيره ; أنشد ثعلب :


                                                          يفرطها عن كبة الخيل مصدق كريم وشد ليس فيه تخاذل



                                                          أي يقدمها . وفرط إليه رسوله : قدمه وأرسله . وفرطه في الخصومة : جرأه . وفرط القوم يفرطهم فرطا وفراطة : تقدمهم إلى الورد لإصلاح الأرشية والدلاء ومدر الحياض والسقي فيها . وفرطت القوم أفرطهم فرطا أي سبقتهم إلى الماء ، فأنا فارط وهم الفراط ; قال القطامي :


                                                          فاستعجلونا وكانوا من صحابتنا     كما تقدم فراط لوراد



                                                          وفي الحديث : أنه قال بطريق مكة : من يسبقنا إلى الأثاية فيمدر حوضها ويفرط فيه فيملؤه حتى نأتيه أي يكثر من صب الماء فيه . وفي حديثسراقة : الذي يفرط في حوضه أي يملؤه ; ومنه قصيد كعب :


                                                          تنفي الرياح القذى عنه وأفرطه



                                                          أي ملأه ، وقيل : أفرطه هاهنا بمعنى تركه . والفارط والفرط ، بالتحريك : المتقدم إلى الماء يتقدم الواردة فيهيئ لهم الأرسان والدلاء ويملأ الحياض ويستقي لهم ، وهو فعل بمعنى فاعل مثل تبع بمعنى تابع ; ومنه قول النبي ، صلى الله عليه وسلم : أنا فرطكم على الحوض أي أنا متقدمكم إليه ; رجل فرط وقوم فرط ورجل فارط وقوم فراط ; قال :


                                                          فأثار فارطهم غطاطا جثما     أصواتها كتراطن الفرس



                                                          ويقال : فرطت القوم وأنا أفرطهم فروطا إذا تقدمتهم ، وفرطت غيري : قدمته ، والفرط : اسم للجمع . وفي الحديث : أنا والنبيون فراط لقاصفين ، جمع فارط أي متقدمون إلى الشفاعة ، وقيل : إلى الحوض ، والقاصفون : المزدحمون . وفي حديث ابن عباس قال لعائشة ، رضي الله عنهم : تقدمين على فرط صدق ; يعني رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، وأبا بكر ، رضي الله عنه ، وأضافهما إلى صدق وصفا لهما ومدحا ; وقوله :


                                                          إن لها فوارسا وفرطا



                                                          يجوز أن يكون من الفرط الذي يقع على الواحد والجمع ، وأن يكون من الفرط الذي هو اسم لجمع فارط ، وهذا أحسن لأن قبله فوارسا فمقابلة الجمع باسم الجمع أولى لأنه في قوة الجمع . والفرط : الماء المتقدم لغيره من الأمواه . والفراطة : الماء يكون شرعا بين عدة أحياء من سبق إليه فهو له ، وبئر فراطة كذلك . ابن الأعرابي : الماء بينهم فراطة أي مسابقة . وهذا ماء فراطة بين بني فلان وبني فلان ، ومعناه أيهم سبق إليه سقى ولم يزاحمه الآخرون . الصحاح : الماء الفراط الذي يكون لمن سبق إليه من الأحياء . وفراط القطا : متقدماتها إلى الوادي والماء ; قال نقادة الأسدي :


                                                          ومنهل وردته التقاطا     لم أر إذ وردته فراطا
                                                          إلا الحمام الورق والغطاطا



                                                          وفرطت البئر إذا تركتها حتى يثوب ماؤها ; قال ذلك شمر ; وأنشد في صفة بئر :


                                                          وهي إذا ما فرطت عقد الوذم     ذات عقاب همش وذات طم



                                                          يقول : إذا أجمت هذه البئر قدر ما يعقد وذم الدلو ثابت بماء كثير . والعقاب : ما يثوب لها من الماء ، جمع عقب ; وأما قول عمرو بن معديكرب :


                                                          أطلت فراطهم حتى إذا ما     قتلت سراتهم كانت قطاط



                                                          أي أطلت إمهالهم والتأني بهم إلى أن قتلتهم . والفرط : ما تقدمك من أجر وعمل . وفرط الولد : صغاره ما لم يدركوا ، وجمعه أفراط ، وقيل : الفرط يكون واحدا وجمعا . وفي الدعاء للطفل الميت : اللهم اجعله لنا فرطا أي أجرا يتقدمنا حتى نرد عليه . وفرط فلان ولدا وافترطهم : ماتوا صغارا . وافترط الولد : عجل موته ; عن ثعلب . وأفرطت المرأة أولادا : قدمتهم . قال شمر : سمعت أعرابية فصيحة تقول : افترطت ابنين . وافترط فلان فرطا له أي أولادا لم يبلغوا الحلم . وأفرط فلان ولدا إذا مات له ولد صغير قبل أن يبلغ الحلم . وافترط فلان أولادا أي قدمهم . والإفراط : أن تبعث رسولا مجردا خاصا في حوائجك . وفارطت القوم مفارطة وفراطا أي سابقتهم وهم يتفارطون ; قال بشر :


                                                          إذا خرجت أوائلهن شعثا     مجلحة نواصيها قتام
                                                          ينازعن الأعنة مصغيات     كما يتفارط الثمد الحمام



                                                          ويروى : الحيام . وفلان لا يفترط إحسانه وبره أي لا يفترص ولا يخاف فوته ; وقول أبي ذؤيب :


                                                          وقد أرسلوا فراطهم فتأثلوا     قليبا سفاها كالإماء القواعد



                                                          يعني بالفراط المتقدمين لحفر القبر ، وكله من التقدم والسبق . وفرط إليه مني كلام وقول : سبق ; وفي الدعاء : على ما فرط مني أي سبق وتقدم . وتكلم فلان فراطا أي سبقت منه كلمة . وفرطته : تركته وتقدمته ; وقول ساعدة بن جؤية :

                                                          [ ص: 163 ]

                                                          معه سقاء لا يفرط حمله     صفن وأخراص يلحن ومسأب



                                                          أي لا يترك حمله ولا يفارقه . وفرط عليه في القول يفرط : أسرف وتقدم . وفي التنزيل العزيز : إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى والفرط : الظلم والاعتداء . قال الله تعالى : وكان أمره فرطا وأمره فرط أي متروكا . وقوله تعالى : وكان أمره فرطا أي متروكا ترك فيه الطاعة وغفل عنها ، ويقال : إياك والفرط في الأمر ; وفي حديث سطيح :

                                                          إن يمس ملك بني ساسان أفرطهم

                                                          أي تركهم وزال عنهم . وقال أبو الهيثم : أمر فرط أي متهاون به مضيع ; وقال الزجاج : وكان أمره فرطا أي كان أمره التفريط وهو تقديم العجز ، وقال غيره : وكان أمره فرطا أي ندما ، ويقال سرفا . وفي حديث علي ، رضوان الله عليه : لا يرى الجاهل إلا مفرطا أو مفرطا ; هو بالتخفيف المسرف في العمل ، وبالتشديد المقصر فيه ; ومنه الحديث : أنه نام عن العشاء حتى تفرطت أي فات وقتها قبل أدائها . وفي حديث توبة كعب : حتى أسرعوا وتفارط الغزو أي فات وقته . وأمر فرط أي مجاوز فيه الحد ; ومنه قوله تعالى : وكان أمره فرطا . وفرط في الأمر يفرط فرطا أي قصر فيه وضيعه حتى فات ، وكذلك التفريط . والفرط : الفرس السريعة التي تتفرط الخيل أي تتقدمها . وفرس فرط : سريعة سابقة ; قال لبيد :


                                                          ولقد حميت الحي تحمل شكتي     فرط وشاحي إذ غدوت لجامها



                                                          وافترط إليه في هذا الأمر : تقدم وسبق . والفرطة ، بالضم : اسم للخروج والتقدم ، والفرطة ، بالفتح : المرة الواحدة منه مثل غرفة وغرفة وحسوة وحسوة ; ومنه قول أم سلمة لعائشة : إن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، نهاك عن الفرطة في البلاد . غيره : وفي حديث أم سلمة قالت لعائشة ، رضي الله عنهما : إن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، نهاك عن الفرطة في الدين ; يعني السبق والتقدم ومجاوزة الحد . وفلان مفترط السجال إلى العلا أي له فيه قدمة ; وأنشد :


                                                          ما زلت مفترط السجال إلى العلا     في حوض أبلج تمدر الترنوقا



                                                          ومفارط البلد : أطرافه ; وقال أبو زبيد :


                                                          وسموا بالمطي والذبل الصم     لعمياء في مفارط بيد



                                                          وفلان ذو فرطة في البلاد إذا كان صاحب أسفار كثيرة . ابن الأعرابي : يقال ألقاه وصادفه وفارطه وفالطه ولاقطه كله بمعنى واحد . وقال بعض الأعراب : فلان لا يفترط إحسانه وبره أي لا يفترص ولا يخاف فوته . والفارطان : كوكبان متباينان أمام سرير بنات نعش يتقدمانها . وأفراط الصباح : أول تباشيره لتقدمها وإنذارها بالصبح ، واحدها فرط ; وأنشد لرؤبة :


                                                          باكرته قبل الغطاط اللغط     وقبل أفراط الصباح الفرط



                                                          والإفراط : الإعجال والتقدم . وأفرط في الأمر : أسرف وتقدم . والفرط : الأمر يفرط فيه ، وقيل : هو الإعجال ، وقيل : الندم . وفرط عليه يفرط : عجل عليه وعدا وآذاه . وفرط : توانى ونسي . والفرط : العجلة . وقال الفراء في قوله تعالى : إننا نخاف أن يفرط علينا قال : يعجل إلى عقوبتنا . والعرب تقول : فرط منه أي بدر وسبق . والإفراط : إعجال الشيء في الأمر قبل التثبت . يقال : أفرط فلان في أمره أي عجل فيه ، وأفرطه أي أعجله وأفرطت السقاء ملأته ، والسحابة تفرط الماء في أول الوسمي أي تعجله وتقدمه . وأفرطت السحابة بالوسمي : عجلت به ، قال سيبويه : وقالوا فرطت إذا كنت تحذره من بين يديه شيئا أو تأمره أن يتقدم ، وهي من أسماء الفعل الذي لا يتعدى . وفرط الشهوة والحزن : غلبتهما . وأفرط عليه : حمله فوق ما يطيق . وكل شيء جاوز قدره ، فهو مفرط . يقال : طول مفرط وقصر مفرط . والإفراط : الزيادة على ما أمرت . وأفرطت المزادة : ملأتها . ويقال : غدير مفرط أي ملآن ; وأنشد ابن بري :


                                                          يرجع بين خرم مفرطات     صواف لم يكدرها الدلاء



                                                          وأفرط الحوض والإناء : ملأه حتى فاض ; قال ساعدة بن جؤية :


                                                          فأزال ناصحها بأبيض مفرط     من ماء ألهاب بهن التألب



                                                          أي مزجها بماء غدير مملوء ; وقول أبي وجزة :


                                                          لاع يكاد خفي الزجر يفرطه     مسترفع لسرى الموماة هياج



                                                          يفرطه : يملؤه روعا حتى يذهب به .

                                                          والفرط ، بفتح الفاء : الجبل الصغير ، وجمعه فرط ; عن كراع . الجوهري : والفرط واحد الأفراط ، وهي آكام شبيهات بالجبال . يقال : البوم تنوح على الأفراط ; عن أبي نصر ; وقال وعلة الجرمي :


                                                          سائل مجاور جرم هل جنيت لهم     حربا تفرق بين الجيرة الخلط ؟
                                                          وهل سموت بجرار له لجب     جم الصواهل بين السهل والفرط



                                                          والفرط : سفح الجبال وهو الجر ; عن اليزيدي ; قال حسان :


                                                          ضاق عنا الشعب إذ نجزعه     وملأنا الفرط منكم والرجل



                                                          وجمعه أفراط ; قال امرؤ القيس :


                                                          وقد ألبست أفراطها ثني غيهب



                                                          والفرط : العلم المستقيم يهتدى به . والفرط : رأس الأكمة وشخصها ، وجمعه أفراط وأفرط ; قال ابن براقة :


                                                          إذا الليل أدجى واكفهرت نجومه     وصاح من الأفراط بوم جواثم



                                                          وقيل : الأفراط هاهنا تباشير الصبح لأن الهام تزقو عند ذلك ، قال : والأول أولى ، ونسب ابن بري هذا البيت للأجدع الهمداني وقال : أراد كأن الهام لما أحست بالصباح صرخت . وأفرطت في القول أي أكثرت . وفرط في الشيء وفرطه : ضيعه وقدم العجز فيه . وفي التنزيل العزيز : أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله أي [ ص: 164 ] مخافة أن تصيروا إلى حال الندامة للتفريط في أمر الله ، والطريق الذي هو طريق الله الذي دعا إليه ، وهو توحيد الله والإقرار بنبوة رسوله ، صلى الله عليه وسلم ، قال صخر الغي :


                                                          ذلك بزي فلن أفرطه     أخاف أن ينجزوا الذي وعدوا



                                                          يقول : لا أخلفه فأتقدم عنه ; وقال ابن سيده : يقول لا أضيعه ، وقيل : معناه لا أقدمه وأتخلف عنه . والفرط : الأمر الذي يفرط فيه صاحبه أي يضيع . وفرط في جنب الله : ضيع ما عنده فلم يعمل له . وتفارطت الصلاة عن وقتها : تأخرت . وفرط الله عنه ما يكره أي نحاه ، وقلما يستعمل إلا في الشعر ; قال مرقش :


                                                          يا صاحبي تلبثا لا تعجلا     وقفا بربع الدار كيما تسألا
                                                          فلعل بطأكما يفرط سيئا     أو يسبق الإسراع خيرا مقبلا



                                                          والفرط : الحين . يقال : إنما آتيه الفرط وفي الفرط ، وأتيته فرط أشهر أي بعدها ; قال لبيد :


                                                          هل النفس إلا متعة مستعارة     تعار فتأتي ربها فرط أشهر



                                                          وقيل : الفرط أن تأتيه في الأيام ولا تكون أقل من ثلاثة ولا أكثر من خمس عشرة ليلة . ابن السكيت : الفرط أن يقال آتيك فرط يوم أو يومين . والفرط : اليوم بين اليومين . أبو عبيد : الفرط أن تلقى الرجل بعد أيام . يقال : إنما تلقاه في الفرط ، ويقال : لقيته في الفرط بعد الفرط أي الحين بعد الحين . وفي حديث ضباعة : كان الناس إنما يذهبون فرط يوم أو يومين فيبعرون كما تبعر الإبل أي بعد يومين . وقال بعض العرب : مضيت فرط ساعة ولم أومن أن أنفلت ، فقيل له : ما فرط ساعة ؟ فقال : كمذ أخذت في الحديث ، فأدخل الكاف على مذ ، وقوله ولم أومن أي لم أثق ولم أصدق أني أنفلت . وتفارطته الهموم : أتته في الفرط ، وقيل : تسابقت إليه . وفرط : كف عنه وأمهله . وفرطت الرجل إذا أمهلته . والفراط : الترك . وما أفرط منهم أحدا أي ما ترك . وما أفرطت من القوم أحدا أي ما تركت . وأفرط الشيء : نسيه . وفي التنزيل : وأنهم مفرطون قال الفراء : معناه منسيون في النار ، وقيل : منسيون مضيعون متروكون ، قال : والعرب تقول أفرطت منهم ناسا أي خلفتهم ونسيتهم ، قال : ويقرأ ( مفرطون ) ، يقال : كانوا مفرطين على أنفسهم في الذنوب ، ويروى مفرطون كقوله تعالى : يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله يقول : فيما تركت وضيعت .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية