الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب قول الله تعالى وآتينا داود زبورا الزبر الكتب واحدها زبور زبرت كتبت ولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال أوبي معه قال مجاهد سبحي معه والطير وألنا له الحديد أن اعمل سابغات الدروع وقدر في السرد المسامير والحلق ولا يدق المسمار فيتسلسل ولا يعظم فيفصم واعملوا صالحا إني بما تعملون بصير

                                                                                                                                                                                                        3235 حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن همام عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال خفف على داود عليه السلام القرآن فكان يأمر بدوابه فتسرج فيقرأ القرآن قبل أن تسرج دوابه ولا يأكل إلا من عمل يده رواه موسى بن عقبة عن صفوان عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 522 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 522 ] قوله : ( باب قوله تعالى : واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر ) الجمهور أن القرية المذكورة أيلة وهي التي على طريق الحاج الذاهب إلى مكة من مصر ، وحكى ابن التين عن الزهري أنها طبرية .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( إذ يعدون في السبت : يتعدون ، يتجاوزون ) قال أبو عبيدة في قوله تعالى : إذ يعدون في السبت : أي يتعدون فيه عما أمروا به ويتجاوزون .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( شرعا : شوارع - إلى قوله - كونوا قردة خاسئين ) هو قول أبي عبيدة أيضا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : بئيس شديد ، قال أبو عبيدة في قوله تعالى : فأخذناهم بعذاب بئيس : أي شديد وزنا ومعنى ، قال الشاعر :


                                                                                                                                                                                                        حنقا علي وما ترى لي فيهم أمرا بئيسا



                                                                                                                                                                                                        هذا على إحدى القراءتين ، والأخرى بوزن حذر ، وقرئ شاذا بوزن هين " و " هين مذكرين .

                                                                                                                                                                                                        ( تنبيه ) :

                                                                                                                                                                                                        لم يذكر المصنف في هذه القصة حديثا مسندا ، وقد روى عبد الرزاق من حديث ابن عباس بسند فيه مبهم ، وحكاه مالك عن يزيد بن رومان معضلا ، وكذا قال قتادة : إن أصحاب السبت كانوا من أهل أيلة وأنهم لما تحيلوا على صيد السمك بأن نصبوا الشباك يوم السبت ثم صادوها يوم الأحد فأنكر عليهم قوم ونهوهم فأغلظوا لهم ، فقالت طائفة أخرى دعوهم واعتزلوا بنا عنهم ، فأصبحوا يوما فلم يروا الذين اعتدوا ، ففتحوا أبوابهم فأمروا رجلا أن يصعد على سلم فأشرف عليهم فرآهم قد صاروا قردة ، فدخلوا عليهم فجعلوا يلوذون بهم ، فيقول الذين نهوهم : ألم نقل لكم ، ألم ننهكم فيشيرون برءوسهم . وروى ابن أبي حاتم من طريق مجاهد عن ابن عباس : أنهم لم يعيشوا إلا قليلا وهلكوا وروى ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس صار شبابهم قردة وشيوخهم خنازير .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 523 ] قوله : باب قول الله تعالى : وآتينا داود زبورا هو داود بن إيشا بكسر الهمز وسكون التحتانية بعدها معجمة ابن عوبد بوزن جعفر بمهملة وموحدة ابن باعر بموحدة ومهملة مفتوحة ابن سلمون بن يارب بتحتانية وآخره موحدة ابن رام بن حضرون بمهملة ثم معجمة ابن فارص بفاء وآخره مهملة ابن يهوذا بن يعقوب .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( الزبر الكتب واحدها زبور ، زبرت : كتبت ) قال أبو عبيدة في قوله تعالى : في زبر الأولين أي كتب الأولين واحدها زبور ، وقال الكسائي : زبور بمعنى مزبور ، تقول زبرته فهو مزبور مثل كتبته فهو مكتوب ، وقرئ بضم أوله وهو جمع زبر . قلت : الضم قراءة حمزة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أوبي معه قال مجاهد : سبحي معه ) وصله الفريابي من طريق مجاهد مثله ، وعن الضحاك هو بلسان الحبشة ، وقال قتادة : معنى أوبي سيري .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أن اعمل سابغات : الدروع ) قال أبو عبيدة في قوله تعالى : أن اعمل سابغات أي دروعا واسعة طويلة .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 524 ] قوله : ( وقدر في السرد : المسامير والحلق ، ولا ترق المسمار فيسلس ، ولا تعظم فينفصم ) كذا في رواية الكشميهني ، ولغيره لا تدق بالدال بدل الراء ، وعندهم فيتسلسل وفي آخره " فيفصم " بغير نون ، ووافقه الأصيلي في قوله : " فيسلس " وهو بفتح اللام ومعناه فيخرج من الثقب برفق أو يصير متحركا فيلين عند الخروج . وأما الرواية الأخرى " فيتسلسل " أي يصير كالسلسلة في اللين ، والأول أوجه ، والفصم بالفاء القطع من غير إبانة . وهذا التفسير وصله الفريابي من طريق مجاهد في قوله : وقدر في السرد أي قدر المسامير والحلق ، وروى إبراهيم الحربي في " غريب الحديث " من طريق مجاهد في قوله : وقدر في السرد : لا ترق المسامير فيسلس ، ولا تغلظه فيفصمها . وقال أبو عبيدة : يقال درع مسردة أي مستديرة الحلق ، قال أبو ذؤيب :


                                                                                                                                                                                                        وعليهما مسرودتان قضاهما داود أو صنع السوابغ تبع



                                                                                                                                                                                                        وهو مثل مسمار السفينة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أفرغ أنزل ) لم أعرف المراد من هذه الكلمة هنا ، واستقريت قصة داود في المواضع التي ذكرت فيها فلم أجدها ، وهذه الكلمة والتي بعدها في رواية الكشميهني وحده .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( بسطة : زيادة وفضلا ) قال أبو عبيدة في قوله : وزاده بسطة في العلم والجسم أي زيادة وفضلا وكثرة ، وهذه الكلمة في قصة طالوت وكأنه ذكرها لما كان آخرها متعلقا بداود فلمح بشيء من قصة طالوت ، وقد قصها الله في القرآن .

                                                                                                                                                                                                        ثم ذكر ثلاثة أحاديث : الأول حديث همام عن أبي هريرة : خفف على داود القرآن وفي رواية الكشميهني " القراءة " قيل : المراد بالقرآن القراءة ، والأصل في هذه اللفظة الجمع وكل شيء جمعته فقد قرأته ، وقيل المراد الزبور ، وقيل التوراة ، وقراءة كل نبي تطلق على كتابه الذي أوحي إليه ، وإنما سماه قرآنا للإشارة إلى وقوع المعجزة به كوقوع المعجزة بالقرآن أشار إليه صاحب " المصابيح " والأول أقرب ، وإنما ترددوا بين الزبور والتوراة لأن الزبور كله مواعظ ، وكانوا يتلقون الأحكام من التوراة . قال قتادة : كنا نتحدث أن الزبور مائة وخمسون سورة كلها مواعظ وثناء ، ليس فيه حلال ولا حرام ولا فرائض ولا حدود ، بل كان اعتماده على التوراة ، أخرجه ابن أبي حاتم وغيره . وفي الحديث أن البركة قد تقع في الزمن اليسير حتى يقع فيه العمل الكثير . قال النووي : أكثر ما بلغنا من ذلك من كان يقرأ أربع ختمات بالليل وأربعا بالنهار ، وقد بالغ بعض الصوفية في ذلك فادعى شيئا مفرطا ، والعلم عند الله .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( بدوابه ) في رواية موسى بن عقبة الآتية " بدابته " بالإفراد ، وكذا هو في التفسير ، ويحمل الإفراد على الجنس ، أو المراد بها ما يختص بركوبه ، وبالجمع ما يضاف إليها مما يركبه أتباعه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فيقرأ القرآن قبل أن تسرج ) في رواية موسى " فلا تسرج حتى يقرأ القرآن " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ولا يأكل إلا من عمل يده ) تقدم شرحه في أوائل البيوع وأن فيه دليلا على أنه أفضل المكاسب ، وقد استدل به على مشروعية الإجارة من جهة أن عمل اليد أعم من أن يكون للغير أو للنفس ، والذي يظهر أن الذي كان يعمله داود بيده هو نسج الدروع ، وألان الله له الحديد ، فكان ينسج الدروع [ ص: 525 ] ويبيعها ولا يأكل إلا من ثمن ذلك مع كونه كان من كبار الملوك ، قال الله تعالى : وشددنا ملكه ، وفي حديث الباب أيضا ما يدل على ذلك ، وأنه مع سعته بحيث أنه كان له دواب تسرج إذا أراد أن يركب ويتولى خدمتها غيره ، ومع ذلك كان يتورع ولا يأكل إلا مما يعمل بيده .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( رواه موسى بن عقبة عن صفوان بن سليم إلخ ) وصله المصنف في كتاب خلق أفعال العباد عن أحمد بن أبي عمرو عن أبيه - وهو حفص بن عبد الله - عن إبراهيم بن طهمان عن موسى بن عقبة .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية