الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      باب إذا علم الحاكم صدق الشاهد الواحد يجوز له أن يحكم به

                                                                      3607 حدثنا محمد بن يحيى بن فارس أن الحكم بن نافع حدثهم أخبرنا شعيب عن الزهري عن عمارة بن خزيمة أن عمه حدثه وهو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتاع فرسا من أعرابي فاستتبعه النبي صلى الله عليه وسلم ليقضيه ثمن فرسه فأسرع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشي وأبطأ الأعرابي فطفق رجال يعترضون الأعرابي فيساومونه بالفرس ولا يشعرون أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتاعه فنادى الأعرابي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن كنت مبتاعا هذا الفرس وإلا بعته فقام النبي صلى الله عليه وسلم حين سمع نداء الأعرابي فقال أو ليس قد ابتعته منك فقال الأعرابي لا والله ما بعتكه فقال النبي صلى الله عليه وسلم بلى قد ابتعته منك فطفق الأعرابي يقول هلم شهيدا فقال خزيمة بن ثابت أنا أشهد أنك قد بايعته فأقبل النبي صلى الله عليه وسلم على خزيمة فقال بم تشهد فقال بتصديقك يا رسول الله فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادة خزيمة بشهادة رجلين

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( أن عمه حدثه ) قال ابن سعد في الطبقات : لم يسم لنا أخو خزيمة بن ثابت [ ص: 21 ] الذي روى هذا الحديث وكان له أخوان يقال لأحدهما وحوح والآخر عبد الله ( ابتاع ) أي : اشترى فرسا من أعرابي اسمه سواء بن قيس المحاربي ، واسم الفرس المرتجز .

                                                                      قال ابن سعد : أخبرنا محمد بن عمر سألت محمد بن يحيى بن سهل بن أبي حثمة عن المرتجز فقال : هو الفرس الذي اشتراه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأعرابي الذي شهد فيه خزيمة بن ثابت ، وكان الأعرابي من بني مرة ( فاستتبعه ) أي : طلب منه أن يتبعه ( فطفق ) أي : أخذ . ( فيساومونه بالفرس ) زاد ابن سعد في الطبقات : حتى زاد بعضهم الأعرابي في السوم على ثمن الفرس الذي ابتاعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فلما زاده فنادى الأعرابي كذا في مرقاة الصعود ( فقال إن كنت مبتاعا هذا الفرس ) أي : فاشتره ( أوليس قد ابتعته منك ) بفتح الواو بعد الهمزة أي : أتقول هكذا وليس إلخ ، فالمعطوف عليه محذوف .

                                                                      وعند ابن سعد : فقال له الأعرابي لا والله ما بعتك ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بل قد ابتعته منك ، فطفق الناس يلوذون برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبالأعرابي وهما يتراجعان ويقول : هلم شهيدا فمن جاء من المسلمين قال للأعرابي : ويلك إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن ليقول إلا حقا ، فقال [ ص: 22 ] له خزيمة : أنا أشهد أنك قد بايعته ( فقال بم تشهد ) زاد ابن سعد ولم تكن معنا ( فقال بتصديقك يا رسول الله ) زاد ابن سعد : أنا أصدقك بخبر السماء ولا أصدقك بما تقول؟! وفي لفظ قال : أعلم أنك لا تقول إلا حقا قد آمناك على أفضل من ذلك على ديننا ( فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - شهادة خزيمة بشهادة رجلين ) .

                                                                      قال العلامة السيوطي : قد حصل لذلك تأثير ديني مهم وقع بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - وذلك فيما روى ابن أبي شيبة في المصاحف عن الليث بن سعد قال : أول من جمع القرآن أبو بكر وكتبه زيد بن ثابت ، وكان الناس يأتون زيد بن ثابت فكان لا يكتب آية إلا بشاهدي عدل ، وإن آخر سورة براءة لم توجد إلا مع خزيمة بن ثابت فقال اكتبوها فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جعل شهادته بشهادة رجلين فكتب ، وإن عمر أتى بآية الرجم فلم يكتبها لأنه كان وحده انتهى .

                                                                      وقال الخطابي : هذا حديث يضعه كثير من الناس غير موضعه ، وقد تذرع به قوم من أهل البدع إلى استحلال الشهادة لمن عرف عنده بالصدق على كل شيء ادعاه ، وإنما وجه الحديث ومعناه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما حكم على الأعرابي بعلمه إذ كان النبي - صلى الله عليه وسلم - صادقا بارا في قوله ، وجرت شهادة خزيمة في ذلك مجرى التوكيد لقوله والاستظهار بها على خصمه ، فصارت في التقدير شهادته له وتصديقه إياه على قوله كشهادة رجلين في سائر القضايا انتهى .

                                                                      قلت : شهادة خزيمة قد جعلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشهادتين دون غيره ممن هو أفضل منه ، وهذا لمخصص اقتضاه وهو مبادرته دون من حضره من الصحابة إلى الشهادة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقد قبل الخلفاء الراشدون شهادته وحده وهي خاصة له .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه النسائي . وهذا الأعرابي هو ابن الحارث ، وقيل : سواء بن [ ص: 23 ] قيس المحاربي ذكره غير واحد في الصحابة ، وقيل : إنه جحد البيع بأمر بعض المنافقين ، وقيل : إن هذا الفرس هو المرتجز المذكور في أفراس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انتهى كلام المنذري .

                                                                      قال في القاموس في باب الزاي وفصل الراء : المرتجز ابن الملاءة فرس للنبي - صلى الله عليه وسلم - سمي به لحسن صهيله اشتراه من سواء بن الحارث بن ظالم .




                                                                      الخدمات العلمية