الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 771 ) فصل : والواجب تسليمة واحدة ، والثانية سنة . قال ابن المنذر : أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم ، أن صلاة من اقتصر على تسليمة واحدة ، جائزة ، وقال القاضي فيه رواية أخرى ، أن الثانية واجبة . وقال : هي أصح ; لحديث جابر بن سمرة ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعلها ويداوم عليها ، ولأنها عبادة لها تحللان ، فكانا واجبين ، كتحللي الحج ، ولأنها إحدى التسليمتين ، فكانت واجبة كالأولى . والصحيح ما ذكرناه .

                                                                                                                                            وليس نص أحمد بصريح بوجوب التسليمتين ، إنما قال : التسليمتان أصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحديث ابن مسعود وغيره أذهب إليه . ويجوز أن يذهب إليه في المشروعية والاستحباب ، دون الإيجاب كما ذهب إلى ذلك غيره ، وقد دل عليه قوله في رواية مهنا : أعجب إلي التسليمتان . ولأن عائشة ، وسلمة بن الأكوع ، وسهل بن سعد . قد رووا : { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم تسليمة واحدة } وكان المهاجرون يسلمون تسليمة واحدة ففيما ذكرناه جمع بين الأخبار وأقوال الصحابة رضي الله عنهم في أن يكون المشروع والمسنون تسليمتين ، والواجب واحدة ، وقد دل على صحة هذا الإجماع الذي حكاه ابن المنذر فلا معدل عنه ، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم يحمل على المشروعية والسنة ; فإن أكثر أفعال النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة مسنونة غير واجبة ، فلا يمنع حمل فعله لهذه التسليمة على السنة عند قيام الدليل عليها ، والله أعلم .

                                                                                                                                            ولأن التسليمة الواحدة يخرج بها من الصلاة ، فلم يجب عليه شيء آخر فيها ، ولأن هذه صلاة ، فتجزئه فيها تسليمة واحدة ، ولأن هذه واحدة كصلاة الجنازة والنافلة . وأما قوله في حديث جابر : { إنما يكفي أحدكم } فإنه يعني في إصابة السنة ; بدليل أنه قال : أن { يضع يده على فخذه ، ثم يسلم على أخيه عن يمينه وشماله . } وكل هذا غير واجب . وهذا الخلاف الذي ذكرناه في الصلاة المفروضة ، أما صلاة الجنازة ، والنافلة ، وسجود التلاوة ، فلا خوف في أنه يخرج منها بتسليمة واحدة . قال القاضي : هذا - رواية واحدة - نص عليه أحمد في صلاة الجنازة وسجود التلاوة ; ولأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لم يسلموا في صلاة الجنازة إلا تسليمة واحدة . والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية