الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                النوع الثاني : خيار الشرط :

                                                                                                                ويتمهد بالنظر في مقدار مدة الخيار ، وما يقطعه ، وما يحدث في مدة الخيار من علة أو جناية أو نحوها .

                                                                                                                النظر الأول : في مقدار مدة الخيار ، وأصله الحديث المتقدم لقوله : إلا بيع الخيار ; لأن الاستثناء من النفي إثبات .

                                                                                                                سؤال : إذا باع درهما بدرهم ، أو أحد المتماثلين بالآخر كيف يمكن كيف يكون القول بمشروعية خيار الشرط أو المجلس إن قيل به ، والخيار إنما شرع ; لتبيين الأفضل فيؤخذ ، أو المفضول فيترك ، والعاقبة في المعاوضة ، والكل منتف هاهنا فقطعنا بانتفاء العلة فينبغي أن نقطع بانتفاء المعلول ، وفي الكتاب : بيع الخيار جائز في الثوب نحو اليومين ، وفي الجارية نحو الجمعة لاختيارها ، والدابة نحو اليوم ، ويجوز اشتراط سير البريد ونحوه للاختبار ، وقال غيره :

                                                                                                                [ ص: 24 ] البريدين ، وفي الدار نحو الشهر ، ويمنع البعيد من أجل الخيار للغرر ; لأنه لا يدري ما يكون المبيع عند الأجل ، وقد يزيد في الثمن لأجل الضمان ، قال صاحب التنبيهات : وروي في الدابة والثوب ثلاثة أيام ، وقولابن القاسم : البريد ، وقول أشهب البريد إن قبل للذهاب والرجوع ، ويحتمل التوفيق بين القولين بأن يكون البريدان للذهاب وللرجوع ، وفي الجواهر : قيل : في الدار الشهران لعبد الملك لسبر الحيطان والأساسات وغير ذلك ، قال ابن يونس : فإن شرط الخيار سنين فبنى وغرس ، والخيار للبائع ، فليس فوتا وتكون فيه قيمته منقوضا ، وإن بنى بعد أجل الخيار فهو فوت وعليه قيمة الدار يوم انقضاء الخيار ، قاله سحنون ، وقال أيضا : يضمن المشتري يوم القبض كالبيع الفاسد ، قال صاحب النكت : لم يذكر في الكتاب الأرضين وهي مع الدور سواء ، يجوز فيها خيار الشهرين ، ولا وجه لتفرقة من فوق ، ولا لمن قال : عشرة أيام في التنزيل الكل سواء ، فهذا تحرير المذهب أن الخيار يشترط بحسب الحاجة في كل مبيع على حسبه ، وجوزه ابن حنبل لأي مدة أرادوا ; لقوله عليه السلام : ( المؤمنون عند شروطهم ) ومنعه الشافعي و ( ح ) في الزائد على ثلاثة أيام لما في مسلم : ( أن حبان بن منقذ وكان قد أصابته جراحة في رأسه فكان يخدع في البيع فشكا أهله إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فنهاه فقال : لا أصبر ، فقال :

                                                                                                                [ ص: 25 ] إذا بعت فقل لا خلابة ، ولك الخيار ثلاثة
                                                                                                                ) ويدل من وجهين : أحدهما : أن حاجته للخيار شديدة ; لأنه كان يغبن ، فلو جاز الزائد على الثلاث لجوزه له ، وثانيها : التحذير الشرعي يمنع الزيادة كأوقات الصلوات ، ولأن شرط الخيار شهرا غرر ; لأنه لا يدري كيف يكون البيع حينئذ ، ولا ما يحصل له من الثمن أو المثمن ، وقياسا على المصراة .

                                                                                                                الجواب عن الأول : أنه متروك بالإجماع فإنه عليه السلام جعل له خيار الثلاث بمجرد العقد ، ولو قال : آخذه أنا اليوم لا خلابة لم يكن له خيار شرط ، ولأنه روي أنه كان يتجر في الرقيق فجعل له ذلك فلا يتناول محل النزاع في الدور وغيرها ، وأما التحديد فيلزم إذا جهل معناه . أما إذا عقل فلا ; لقوله عليه السلام : ( تحيضين في علم الله ستة أيام أو سبعا ) وليس حدا إجماعا ، وعن الثاني : أنه عذر تدعو الحاجة إليه كخيار الثلاث ، بل هو أولى من خيار المجلس لعدم انضباطه ، وهذا منضبط ، وعن الثالث : أن المصلحة تحصل بالثلاث ; لتبيين التدليس بخلاف هاهنا ، ثم سر الشريعة معنا ; لأنا أجمعنا أن مشروعية الخيار إنما كانت لاستدراك المصلحة فوجب أن يشرع منه ما يحصلها كيف كانت تحصيلا لمقصود الشرع ، ولأنه أجل من مقصود العقد فلا يتجرد كالأجل في السلع أو الثمن .

                                                                                                                تفريع : قال اللخمي : الخيار يكون في الثمن هل فيه عين أم لا ؟

                                                                                                                [ ص: 26 ] ولاختبار المبيع ، ولتبيين المصلحة في الشراء ، وإن علمها ففي الأولين له قبض المبيع لاختبار دون الثالث لحصول المقصود دون القبض ، فإن أشكل الأمر حمل على الثلاث ; لأنه الظاهر ، فإن أطلق الخيار حمل على ما يحتاج إليه من الأجل ; لأن الأصل حمل تصرف العقلاء على الصحة .

                                                                                                                وقال ( ش ) و ( ح ) : يفسد العقد كما لو نصا على عدم التقييد ، وهو ظاهر اللفظ ، وإن زاد يسيرا كره أو كثيرا جدا فسخ عند مالك ; لاتهامهما في إظهار الخيار وإبطال البت ليكون في ضمان البائع بجعل ، وفيه خلاف كما تقدم في بيوع الآجال ، هل المنع لأنه عادة في التعمد للفساد فيفسخ ؟ وإن لم يكن عادة مضى بالثمن ، وينبغي في الثوب إذا كان يريد معرفة ذرعه فبالحضرة ، وتجوز الغيبة للاحتياج بالقياس على الأهل ، وعن ابن القاسم في العبد والجارية عشرة أيام ، وعن مالك شهر ; لأن الرقيق يكتم عيبه إن أحب مشتريه ، أو بتكاسل إن أحب بائعه فيظهر باطه في ذلك إن كان مصري الدار من أهل المحلة لمن يمكن من سكناها يعلمه بأحوال الحيوان ، وإلا يكن والارتواء يكثر بكثرته ، أو يقل بقلته ، وإن كان الخيار لاختبار الثمن وهي بعهدة ، ولاختبار المبيع وهي قربة نظر لأبعدهما ، فإذا انقضى الأقرب رد للبائع وبقي الخيار .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال اللخمي : والعوض عن الانتفاع في الدار والعبد والدابة تساقط إن كان المشتري في مسكن يملكه أو بكراء ولم يحله لأجل الاختبار ، وإن خلاء أو كراء لم يسقط ، وإن كان اختبار الدابة فيما لا يستأجر له سقط ، والأقط ، والعبد إن كان عبد خدمة سقط ; لأن العادة لا يستأجر لمثل هذا ، أو عبد صناعة يقدر على معرفته فيها عند البائع فعل ، وإلا ففيه أجرة صنعته إلا أن يعمل ما لا أجر [ ص: 27 ] له ، أو عبد خراج ، فبعثه المشتري ليكتسب له طلع على قدر كسبه فكسبه للبائع ، وإن دخل على أنه للمشتري امتنع للجهل به ، فإن قبل المشتري بعد الأمد فللبائع الثمن والأجرة ، أو قبل الانتفاع سقطت الأجرة ، أو بعد ذهاب بعض الأمر فأجرة الماضي فقط للبائع ، وأجل الثمن للبائع مثل أجله للمشتري ، ولا يضرب له أجل الاختيار لعله بملكه ، فإن فعل حمل على أنه استثناؤها ، جاز ، وإلا فلا إلا أن يكون أمد تغير فيه الأسواق فيمتنع الخيار إليه .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : لا يلبس الثوب للاختبار لعدم توقف الاختبار عليه ، بخلاف ركوب الدابة .

                                                                                                                قال ابن يونس : فإن لبس ونقص فقيمة نقصه عليه ، وقيل : لا شيء عليه كلاغلات .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الجواهر : يمتنع أن تكون المدة مجهولة كقدوم زيد ، أو ولادة ولده ، أو إلى أن ينفق سوق السلعة من غير أمارة على شيء من ذلك ، ويفسد البيع لتمكن الغرر في حصول الملك ، وإن شرط أكثر مما يجوز فسد العقد ولو أسقط الشرط ; لأن مقتضى الشرط اختبار الإمضاء فهو فيه تخريجا من مسألة من أسلم في ثفر سلما فاسدا . فلما فسخ أراد أخذ تمر برأس ماله قبل المنع لتتميم العقد الفاسد ، وقيل : يجوز ، قال الطرطوشي في تعليقه : إذا اشترط خيارا بعد الغيبة ، أو أجلا مجهولا فسد ، وإن سقط الشرط ، وقاله ( ش ) ويفسده ( ح ) مع الإسقاط فيهما ، كما لو تزوج أجنبية وأخته .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية