الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      [ ص: 265 ] سياق خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مهاجرا

                                                                                      قال عقيل : قال ابن شهاب : وأخبرني عروة أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين ، ولم يمر علينا يوم إلا ويأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشيا ، فلما ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجرا قبل أرض الحبشة ، حتى إذا بلغ برك الغماد ، لقيه ابن الدغنة وهو سيد القارة ، قال : أين تريد يا أبا بكر ؟ قال : أخرجني قومي ، فأريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربي . قال : إن مثلك لا يخرج ، إنك تكسب المعدوم ، وتصل الرحم ، وتحمل الكل ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق ، وأنا لك جار ، فارجع فاعبد ربك ببلادك . وارتحل ابن الدغنة مع أبي بكر ، فطاف في أشراف قريش ، فقال لهم : إن أبا بكر لا يخرج مثله ولا يخرج ، أتخرجون رجلا يكسب المعدوم ، ويصل الرحم ، ويحمل الكل ، ويقري الضيف ، ويعين على نوائب الحق! فأنفذت قريش جوار ابن الدغنة ، وقالوا له : مر أبا بكر يعبد ربه في داره ، فليصل وليقرأ ما شاء ، ولا يؤذينا بذلك ، ولا يستعلن به ، فإنا نخشى أن يفتن أبناؤنا ونساؤنا . فقال ذلك لأبي بكر ، فلبث يعبد ربه ولا يستعلن بالصلاة ولا القراءة في غير داره ، ثم بدا لأبي بكر ، فابتنى مسجدا بفناء داره وبرز ، فيصلي فيه ويقرأ القرآن ، فيتقصف عليه نساء المشركين وأبناؤهم ، يعجبون وينظرون إليه ، وكان أبو بكر لا يكاد يملك دمعه حين يقرأ ، فأفزع ذلك أشراف قريش فأرسلوا إلى ابن [ ص: 266 ] الدغنة ، فقدم عليهم ، فقالوا له : إنا كنا أجرنا أبا بكر على أن يعبد ربه في داره ، وإنه جاوز ذلك ، وابتنى مسجدا بفناء داره ، وأعلن الصلاة والقراءة ، وإنا قد خشينا أن يفتن أبناؤنا ونساؤنا ، فأته فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل ، وإن أبي إلا أن يعلن ذلك فسله أن يرد عليك جوارك ، فإنا قد كرهنا أن نخفرك ، ولسنا مقرين لأبي بكر الاستعلان . قالت عائشة : فأتى ابن الدغنة أبا بكر فقال : قد علمت الذي عقدت لك عليه ، فإما أن تقتصر على ذلك ، وإما أن ترد إلي ذمتي ، فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت في رجل عقدت له . قال أبو بكر : أرد إليك جوارك وأرضى بجوار الله . ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ بمكة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين : قد أريت دار هجرتكم ، أريت سبخة ذات نخل بين لابتين . وهما الحرتان ، فهاجر من هاجر قبل المدينة حين ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورجع إلى المدينة بعض من كان هاجر إلى أرض الحبشة . وتجهز أبو بكر مهاجرا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : على رسلك ، فإني أرجو أن يؤذن لي . قال : هل ترجو بأبي أنت ذلك ؟ قال : نعم . فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصحبه ، وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر أربعة أشهر . فبينا نحن جلوس في بيتنا في نحر الظهيرة ، قيل لأبي بكر : هذا رسول الله مقبلا متقنعا في ساعة لم يكن يأتينا فيها . فقال أبو بكر : فداء له أبي وأمي ، أما والله إن جاء به في هذه الساعة إلا أمر . قالت : فجاء واستأذن ، فأذن له فدخل ، فقال لأبي بكر : أخرج من عندك . قال أبو بكر : إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله . فقال : اخرج فقد أذن لي في الخروج . قال : فخذ مني إحدى راحلتي . قال : بالثمن . قالت عائشة : فجهزتهما أحث الجهاز ، فصنعنا لهما [ ص: 267 ] سفرة في جراب ، فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فأوكت به الجراب ، فبذلك كانت تسمى " ذات النطاقين " ، ثم لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بغار في جبل يقال له ثور ، فمكثا فيه ثلاث ليال ، يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر ، وهو غلام شاب لقن ثقف ، فيدلج من عندهما بسحر ، فيصبح في قريش بمكة كبائت ، فلا يسمع أمرا يكيدون به إلا وعاه ، حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام ، ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحة ، ويريح عليهما حين تذهب ساعة من الليل ، فيبيتان في رسل منحتهما حتى ينعق بهما عامر بن فهيرة بغلس ، يفعل ذلك كل ليلة من الليالي الثلاث . واستأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رجلا من بني الديل هاديا خريتا ، قد غمس يمين حلف في آل العاص بن وائل ، وهو على جاهليته ، فدفعا إليه راحلتيهما ووعداه غار ثور ، فأتاهما براحلتيهما صبيحة ثلاث ، فارتحلا ، وانطلق عامر بن فهيرة والدليل الديلي ، فأخذ بهما في طريق الساحل . أخرجه البخاري .

                                                                                      عن عمر رضي الله عنه ، قال : والله لليلة من أبي بكر ويوم خير من عمر ، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم هاربا من أهل مكة ليلا ، فتبعه أبو بكر ، فجعل يمشي مرة أمامه ، ومرة خلفه يحرسه ، فمشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلته حتى حفيت رجلاه ، فلما رآهما أبو بكر حمله على كاهله ، حتى أتى به فم الغار ، وكان فيه خرق فيه حيات ، فخشي أبو بكر أن يخرج منهن شيء يؤذي رسول الله فألقمه قدمه ، فجعلن يضربنه ويلسعنه الحيات والأفاعي ودموعه تنحدر ، ورسوله صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا تحزن [ ص: 268 ] إن الله معنا ( 40 ) ) [ التوبة ] ، وأما يومه ، فلما ارتدت العرب قلت : يا خليفة رسول الله تألف الناس وارفق بهم ، فقال : جبار في الجاهلية خوار في الإسلام ، بم أتألفهم أبشعر مفتعل أم بقول مفترى! وذكر الحديث .

                                                                                      وهو منكر ، سكت عنه البيهقي ، وساقه من حديث يحيى بن أبي طالب ، قال : أخبرنا عبد الرحمن بن إبراهيم الراسبي ، قال : حدثني فرات بن السائب ، عن ميمون ، عن ضبة بن محصن ، عن عمر . وآفته من هذا الراسبي فإنه ليس بثقة ، مع كونه مجهولا ، ذكره الخطيب في تاريخه فغمزه .

                                                                                      وقال الأسود بن عامر : حدثنا إسرائيل ، عن الأسود ، عن جندب ، قال : كان أبو بكر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار ، فأصاب يده حجر فقال :


                                                                                      إن أنت إلا أصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت

                                                                                      الأسود : هو ابن قيس ، سمع من جندب البجلي ، واحتجا به في الصحيحين . وقال همام : حدثنا ثابت ، عن أنس أن أبا بكر حدثه ، قال : كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار ، فقلت : يا رسول الله لو أن أحدهم ينظر إلى تحت قدميه لأبصرنا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما . متفق عليه .

                                                                                      وقال ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة أنهم ركبوا في كل وجه يطلبون النبي صلى الله عليه وسلم ، وبعثوا إلى أهل المياه يأمرونهم به ، ويجعلون لهم الجعل العظيم إلى أن قال : فأجاز بهما الدليل أسفل مكة ، ثم مضى بهما [ ص: 269 ] حتى جاء بهما الساحل أسفل من عسفان ثم سلك في أمج ، ثم أجاز بهما حتى عارض الطريق بعد أن أجاز قديدا ، ثم سلك في الخرار ، ثم أجاز على ثنية المرة ، ثم سلك نقعا ، مدلجة ثقيف ، ثم استبطن مدلجة محاج ، ثم بطن مرجح ذي العصوين ، ثم أجاز القاحة ثم هبط للعرج ، ثم أجاز في ثنية الغابر عن يمين ركوبة ، ثم هبط بطن رئم ثم قدم قباء من قبل العالية .

                                                                                      وقال مسلم بن إبراهيم : حدثنا عون بن عمرو القيسي ، قال : سمعت أبا مصعب المكي ، قال : أدركت المغيرة بن شعبة وأنس بن مالك وزيد بن أرقم ، فسمعتهم يتحدثون أن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الغار أمر الله بشجرة فنبتت في وجه النبي صلى الله عليه وسلم فسترته ، وأمر الله العنكبوت فنسجت فسترته ، وأمر الله حمامتين وحشيتين فوقعتا بفم الغار ، وأقبل فتيان قريش بعصيهم وسيوفهم ، فجاء رجل ثم رجع إلى الباقين فقال : رأيت حمامتين بفم الغار ، فعلمت أنه ليس فيه أحد .

                                                                                      وقال إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن البراء ، قال : اشترى أبو بكر من عازب رحلا بثلاثة عشر درهما ، فقال أبو بكر لعازب : مر البراء فليحمله إلى رحلي ، فقال له عازب : لا حتى تحدثنا كيف صنعت أنت ورسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرجتما ، والمشركون يطلبونكما .

                                                                                      قال : أدلجنا من مكة ليلا ، فأحيينا ليلتنا ويومنا حتى أظهرنا ، وقام قائم الظهيرة ، فرميت ببصري هل أرى من ظل نأوي إليه ، فإذا صخرة فانتهيت إليها ، فإذا بقية ظل لها فسويته ، ثم فرشت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فروة ، ثم قلت : اضطجع يا رسول الله . فاضطجع ، ثم ذهبت أنفض ما حولي هل أرى من الطلب أحدا ، فإذا براعي غنم يسوق غنمه إلى [ ص: 270 ] الصخرة ، ويريد منها الذي أريد ، يعني الظل ، فسألته : لمن أنت ؟ فقال : لرجل من قريش ، فسماه فعرفته ، فقلت : هل في غنمك من لبن ؟ قال : نعم . قلت : هل أنت حالب لي ؟ قال : نعم . فأمرته ، فاعتقل شاة من غنمه ، وأمرته أن ينفض ضرعها من التراب ، ثم أمرته أن ينفض كفيه ، فقال هكذا ، فضرب إحداهما على الأخرى ، فحلب لي كثبة من لبن ، وقد رويت معي لرسول الله صلى الله عليه وسلم إداوة ، على فمها خرقة ، فصببت على اللبن حتى برد أسفله ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوافيته وقد استيقظ ، فقلت : اشرب يا رسول الله . فشرب حتى رضيت ، ثم قلت : قد آن الرحيل . قال : فارتحلنا والقوم يطلبوننا ، فلم يدركنا أحد منهم غير سراقة بن مالك بن جعشم على فرس له ، فقلت : هذا الطلب قد لحقنا يا رسول الله . قال : ( لا تحزن إن الله معنا ( 40 ) ) [ التوبة ] . فما أن دنا منا ، وكان بيننا وبينه قيد رمحين أو ثلاثة ، قلت : هذا الطلب قد لحقنا يا رسول الله . وبكيت ، فقال : ما يبكيك ؟ قلت : أما والله ما على نفسي أبكي ولكني إنما أبكي عليك . فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : اللهم اكفناه بما شئت . فساخت به فرسه في الأرض إلى بطنها ، فوثب عنها ، ثم قال : يا محمد قد علمت أن هذا عملك ، فادع الله أن ينجيني مما أنا فيه ، فوالله لأعمين على من ورائي من الطلب ، وهذه كنانتي فخذ منها سهما ، فإنك ستمر بإبلي وغنمي بمكان كذا وكذا ، فخذ منها حاجتك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا حاجة لنا في إبلك وغنمك . ودعا له ، فانطلق راجعا إلى أصحابه ، ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه حتى قدمنا المدينة ليلا . أخرجاه من حديث زهير بن معاوية ، سمعت أبا إسحاق ، قال : سمعت البراء . وأخرج البخاري حديث إسرائيل ، عن عبد الله بن [ ص: 271 ] رجاء ، عنه .

                                                                                      وقال عقيل ، عن الزهري : أخبرني عبد الرحمن بن مالك المدلجي أن أباه أخبره ، أنه سمع سراقة بن مالك بن جعشم يقول : جاءنا رسل كفار قريش يجعلون في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر دية كل واحد منهما في قتله أو أسره ، فبينا أنا جالس في مجلس قومي بني مدلج ، أقبل رجل منهم ، حتى قام علينا ونحن جلوس ، فقال : يا سراقة إني قد رأيت آنفا أسودة بالساحل ، أراها محمدا وأصحابه . قال سراقة : فعرفت أنهم هم ، فقلت : إنهم ليسوا بهم ، ولكن رأيت فلانا وفلانا ، انطلقوا باغين ، ثم قل ما لبثت في المجلس حتى قمت فدخلت بيتي ، فأمرت جاريتي أن تخرج بفرسي فتهبطها من وراء أكمة فتحبسها علي ، فأخذت برمحي . وخرجت من ظهر البيت ، فخططت بزجه الأرض ، وخفضت عالية الرمح حتى أتيت فرسي فركبتها ، فرفعتها تقرب بي ، حتى إذا دنوت منهم عثرت بي فرسي فخررت ، فقمت فأهويت بيدي إلى كنانتي ، فاستخرجت منها الأزلام ، فاستقسمت بها أضرهم أو لا أضرهم ، فخرج الذي أكره : لا أضرهم ، فركبت فرسي وعصيت الأزلام ، فرفعتها تقرب بي ، حتى إذا سمعت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يلتفت ، وأبو بكر يكثر التلفت ، ساخت يدا فرسي في الأرض ، حتى بلغت الركبتين ، فخررت عنها ، ثم زجرتها فنهضت ، فلم تكد تخدج يداها ، فلما استوت قائمة إذا لأثر يديها غبار ساطع في السماء مثل الدخان ، فاستقسمت بالأزلام ، فخرج الذي أكره لا أضرهم ، فناديتهما بالأمان ، فوقفا لي وركبت [ ص: 272 ] فرسي حتى جئتهما ، ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهما ، أنه سيظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت له : إن قومك قد جعلوا فيكما الدية ، وأخبرتهما أخبار ما يريد الناس بهم ، وعرضت عليهم الزاد والمتاع ، فلم يرزؤوني شيئا ، ولم يسألني ، إلا أن قال : أخف عنا . فسألته أن يكتب لي كتاب موادعة آمن به ، فأمر عامر بن فهيرة ، فكتب في رقعة من أدم ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم . أخرجه البخاري

                                                                                      وقال موسى بن عقبة : حدثنا ابن شهاب الزهري ، قال : حدثني عبد الرحمن بن مالك بن جعشم المدلجي أن أباه أخبره ، أن أخاه سراقة بن جعشم أخبره ، ثم ساق الحديث ، وزاد فيه : وأخرجت سلاحي ثم لبست لأمتي ، وفيه : فكتب لي أبو بكر ، ثم ألقاه إلي فرجعت فسكت ، فلم أذكر شيئا مما كان حتى فتح الله مكة ، وفرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين خرجت لألقاه ومعي الكتاب ، فدخلت بين كتيبة من كتائب الأنصار ، فطفقوا يقرعونني بالرماح ويقولون : إليك إليك ، حتى دنوت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته ، أنظر إلى ساقه في غرزه كأنها جمارة ، فرفعت يدي بالكتاب فقلت : يا رسول الله هذا كتابك : فقال : " يوم وفاء وبر ادن " . قال : فأسلمت ، ثم ذكرت شيئا أسأل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال ابن شهاب : سأله عن الضالة وشيء آخر ، قال : فانصرفت وسقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقتي .

                                                                                      وقال البكائي ، عن ابن إسحاق : حدثت عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت : لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ، أتى نفر من قريش ، فيهم [ ص: 273 ] أبو جهل ، فوقفوا على باب أبي بكر ، فخرجت إليهم ، فقالوا : أين أبوك ؟ قلت : لا أدري والله أين أبي ، فرفع أبو جهل يده وكان فاحشا خبيثا فلطمني على خدي لطمة طرح منها قرطي .

                                                                                      وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير أن أباه حدثه عن جدته أسماء بنت أبي بكر ، قالت : لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج معه أبو بكر ، احتمل أبو بكر ماله كله معه ، خمسة آلاف أو ستة آلاف درهم ، فانطلق به معه ، فدخل علينا جدي أبو قحافة - وقد ذهب بصره - فقال : والله إني لأراه فجعكم بماله مع نفسه . قالت : قلت : كلا يا أبه ، قد ترك لنا خيرا كثيرا . قالت : فأخذت أحجارا فوضعتها في كوة من البيت كان أبي يضع فيها ماله ، ثم وضعت يده عليه فقال : لا بأس إذا كان قد ترك لكم هذا فقد أحسن ، وفي هذا بلاغ لكم ، قالت : ولا والله ما ترك لنا شيئا ، ولكني أردت أن أسكن الشيخ .

                                                                                      وحدثني الزهري ، أن عبد الرحمن بن مالك بن جعشم حدثه ، عن أبيه ، عن عمه سراقة بن مالك بن جعشم ، قال : لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة مهاجرا ، جعلت قريش فيه مائة ناقة لمن رده ، قال : فبينا أنا جالس ، أقبل رجل منا فقال : والله لقد رأيت ركبا ثلاثة مروا علي آنفا ، إني لأراهم محمدا وأصحابه ، فأومأت إليه ، يعني أن اسكت ، ثم قلت : إنما هم بنو فلان يبتغون ضالة لهم ، قال : لعله ، قال : فمكثت قليلا ، ثم قمت فدخلت بيتي ، فذكر نحو ما تقدم .

                                                                                      قال : وحدثت عن أسماء بنت أبي بكر قالت : فمكثنا ثلاث ليال ما ندري أين وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى أقبل رجل من الجن من أسفل مكة [ ص: 274 ] يتغنى بأبيات من شعر غناء العرب ، وإن الناس ليتبعونه ، ويسمعون صوته ، حتى خرج من أعلى مكة ، وهو يقول :


                                                                                      جزى الله رب الناس خير جزائه     رفيقين حلا خيمتي أم معبد
                                                                                      هما نزلا بالبر ثم تروحا     فأفلح من أمسى رفيق محمد
                                                                                      ليهن بني كعب مكان فتاتهم     ومقعدها للمؤمنين بمرصد

                                                                                      قالت : فعرفنا حيث وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن وجهه إلى المدينة .

                                                                                      قلت : قد سقت خبر أم معبد بطوله في صفته صلى الله عليه وسلم ، كما يأتي إن شاء الله تعالى .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية