الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الفائدة السابعة : تيسير المواظبة على العبادة فإن الأكل يمنع من كثرة العبادات ; لأنه يحتاج إلى زمان يشتغل فيه بالأكل ، وربما يحتاج إلى زمان في شراء الطعام وطبخه ثم يحتاج إلى غسل اليد والخلال ثم يكثر ترداده إلى بيت الماء ؛ لكثرة شربه والأوقات المصروفة إلى هذا لو صرفها إلى الذكر والمناجاة وسائر العبادات لكثر ربحه قال السري رأيت مع علي الجرجاني سويقا يستف منه ، فقلت ما حملك على هذا ? قال : إني حسبت ما بين المضغ إلى الاستفاف سبعين تسبيحة ، فما مضغت الخبز منذ أربعين سنة فانظر كيف أشفق على وقته ولم يضيعه في المضغ وكل نفس من العمر جوهرة نفيسة ، لا قيمة لها فينبغي أن يستوفى منه خزانة باقية في الآخرة ، لا آخر لها ، وذلك بصرفه إلى ذكر الله وطاعته .

ومن جملة ما يتعذر بكثرة الأكل الدوام على الطهارة ، وملازمة المسجد ، فإنه يحتاج إلى الخروج لكثرة شرب الماء .

وإراقته ومن جملته الصوم ؛ فإنه يتيسر لمن تعود الجوع فالصوم ودوام الاعتكاف ودوام الطهارة وصرف أوقات شغله بالأكل وأسبابه إلى العبادة أرباح كثيرة وإنما يستحقرها الغافلون الذين لم يعرفوا قدر الدين ، لكن رضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها ، يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون .

وقد أشار أبو سليمان الداراني إلى ست آفات من الشبع ، فقال : من شبع دخل عليه ست آفات فقد حلاوة المناجاة وتعذر ، حفظ الحكمة وحرمان ، الشفقة على الخلق ; لأنه إذا شبع ظن أن الخلق كلهم شباع وثقل ، العبادة وزيادة الشهوات وأن ، سائر المؤمنين يدورون حول المساجد والشباع يدورون حول المزابل .

التالي السابق


( الفائدة السابعة: تيسير المواظبة على العبادة ) ، أي: تسهيل المداومة عليها، (فإن الأكل يمنع من كثرة العبادات; لأنه يحتاج إلى زمان يشتغل فيه بأكل، وربما يحتاج إلى زمان في شراء الطعام وطبخه) ، واحتاج إلى آلات لذلك، (ثم يحتاج إلى غسل اليد و) استعمال (الخلال) في أسنانه؛ ليخرج فضول الطعام منها، (ثم يكثر ترداده إلى بيت الماء؛ لكثرة شربه) وامتلاء معدته، (والأوقات المصروفة إلى هذا لو صرفها إلى الذكر والمناجاة وسائر العبادات لكثر ربحه) وعظم أجره. (قال السري) السقطي رحمه الله تعالى: (رأيت لعلي) بن إبراهيم (الجرجاني سويقا يستف منه، فقلت) له: (وما دعاك إلى هذا؟ قال: إني حسبت ما بين المضغ إلى الاستفاف سبعين تسبيحة، فما مضغت الخبز أربعين سنة) ، أي: كيلا يضيع وقته بالمضغ، وقد وقع مثل ذلك لداود الطائي ، فقد أخرج أبو نعيم في الحلية من طريق إسماعيل بن الريان قال: قيل لداود الطائي : أما تشتهي الخبز؟ قال: بين مضغ الخبز وشرب الفتيت قراءة خمسين آية، ومن طريق عامر بن إسماعيل الأخمس قال: قلت لداود الطائي : بلغني أنك تأكل الخبز اليابس تطلب به الخشونة. فقال: سبحان الله! كيف وقد ميزت بين أكل الخبز اليابس وبين اللين، فإذا هو قراءة مئتي آية، ولكن ليس من محرقة بما يبس علي، (فانظر كيف أشفق على [ ص: 399 ] وقته ولم يضيعه في المضغ) ، ومحافظة الوقت عندهم أمر أكيد، (وكل نفس من) أنفاس (العمر جوهرة نفيسة، لا قيمة له) ، ولذلك قالوا: تضييع الوقت يورث المقت، (فينبغي أن يستوفي منها خزانة باقية في الآخرة، لا آخر لها، وذلك يصرفه إلى ذكر الله تعالى وطاعته) ، ولا يدعه يذهب مجانا، (ومن جملة ما يتعذر بكثرة الأكل الدوام على الطهارة، وملازمة المسجد، فإنه يحتاج إلى الخروج) منه كل ساعة (لكثرة شرب الماء وأرقته) ضرورة، (ومن جملته الصوم؛ فإنه يتيسر لمن تعود الجوع) ، ويسهل عليه، (فالصوم ودوام الاعتكاف) في المسجد، (ودوام الطهارة وصرف أوقات الأكل وأسبابه إلى العبادة أرباح كثيرة) لا يحصي مقدارها إلا الذي وفقه الله لها، (وإنما يستحقرها الغافلون الذين لا يعرفون قدر الدين، لكن) هم كما قال الله تعالى فيهم (رضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها، يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون ، وقد أشار أبو سليمان الداراني ) رحمه الله تعالى (إلى ست آفات في الشبع ، فقال: من شبع دخل عليه ست آفات) الأولى، (فقد حلاوة المناجاة، و) الثانية (تعذر حفظ الحكمة الإلهية، و) الثالثة (حرمان الشفقة على الخلق; لأنه إذا شبع ظن أن الخلق كلهم شباع، و) الرابعة (ثقل العبادة) على البدن، (و) الخامسة (زيادة الشهوات، و) السادسة (أن سائر المؤمنين يدورون حول المساجد) للاعتكاف، والعبادة، (والشباع يدورون حول المزابل وبيوت الماء؛ لإخلاء المعدة) .




الخدمات العلمية