الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              المسألة الثانية عشرة : قوله تعالى : { واضربوهن } ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { أيها الناس ، إن لكم على نسائكم حقا ، ولنسائكم عليكم حقا ; لكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه ، وعليهن ألا يأتين بفاحشة مبينة ، فإن فعلن فإن الله تعالى قد أذن لكم أن تهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضربا غير مبرح ، فإن انتهين فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف } . وفي هذا دليل على أن الناشز لا نفقة لها ولا كسوة ، وأن الفاحشة هي البذاء ليس الزنا كما قال العلماء ، ففسر النبي صلى الله عليه وسلم الضرب ، وبين أنه لا يكون مبرحا ، أي لا يظهر له أثر على البدن يعني من جرح أو كسر .

                                                                                                                                                                                                              المسألة الثالثة عشرة : من أحسن ما سمعت في تفسير هذه الآية قول سعيد بن جبير ; قال : يعظها فإن هي قبلت وإلا هجرها ، فإن قبلت وإلا ضربها ، فإن هي قبلت وإلا بعث حكما من أهله وحكما من أهلها ، فينظران ممن الضرر ، وعند ذلك يكون الخلع . [ ص: 536 ]

                                                                                                                                                                                                              المسألة الرابعة عشرة : قال عطاء : لا يضربها وإن أمرها ونهاها فلم تطعه ، ولكن يغضب عليها . قال القاضي : هذا من فقه عطاء ، فإنه من فهمه بالشريعة ووقوفه على مظان الاجتهاد علم أن الأمر بالضرب هاهنا أمر إباحة ، ووقف على الكراهية من طريق أخرى في قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن زمعة : { إني لأكره للرجل يضرب أمته عند غضبه ، ولعله أن يضاجعها من يومه } .

                                                                                                                                                                                                              وروى ابن نافع عن مالك عن يحيى بن سعيد { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استؤذن في ضرب النساء ، فقال : اضربوا ، ولن يضرب خياركم } . فأباح وندب إلى الترك . وإن في الهجر لغاية الأدب . والذي عندي أن الرجال والنساء لا يستوون في ذلك ; فإن العبد يقرع بالعصا والحر تكفيه الإشارة ; ومن النساء ، بل من الرجال من لا يقيمه إلا الأدب ، فإذا علم ذلك الرجل فله أن يؤدب ، وإن ترك فهو أفضل . قال بعضهم وقد قيل له ما أسوأ أدب ولدك فقال : ما أحب استقامة ولدي في فساد ديني . ويقال : من حسن خلق السيد سوء أدب عبده . وإذا لم يبعث الله سبحانه للرجل زوجة صالحة وعبدا مستقيما فإنه لا يستقيم أمره معهما إلا بذهاب جزء من دينه ، وذلك مشاهد معلوم بالتجربة . فإن أطعنكم بعد الهجر والأدب فلا تبغوا عليهن سبيلا .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية