الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
500 [ ص: 188 ] [ ص: 189 ] حديث سادس لأبي الزبير .

مالك عن أبي الزبير المكي ، 0 عن طاوس ، عن ابن عباس ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قام إلى الصلاة من جوف الليل يقول : اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض ، ولك الحمد أنت قيام السماوات والأرض ، ولك الحمد أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن ، أنت الحق ، وقولك الحق ، ووعدك الحق ، ولقاؤك الحق ، والنار حق ، والساعة حق ، اللهم لك أسلمت ، وبك آمنت ، وعليك توكلت ، وإليك أنيب ، وبك خاصمت ، وإليك حاكمت ، فاغفر لي ما قدمت وأخرت وأسررت وأعلنت ، أنت إلهي لا إله إلا أنت .

التالي السابق


وفي هذا الحديث ما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المداومة على قيام الليل والإخبات عند قيامه ، [ ص: 190 ] والدعاء والتضرع والإخلاص والثناء على الله - عز وجل - بما هو أهله ، والإقرار بوعده ووعيده والتسليم والابتهال ، وفيه - صلى الله عليه وسلم - الأسوة الحسنة فطوبى لمن وفق وأعين على ذلك .

وقد روى هذا الحديث بعض من جمع حديث مالك فذكره عن مالك ، عن أبي الزبير ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، وذلك خطأ ، والحديث صحيح لمالك عن أبي الزبير عن طاوس ، عن ابن عباس كما رواه يحيى ، وسائر رواة الموطأ لا يختلفون في ذلك فيما علمت ، وليس في هذا الحديث معنى يشكل إن شاء الله .

وأما قوله : أنت قيام السماوات والأرض فقيام وقيوم وقيم بمعنى واحد ، وهو الدائم الذي لا يزول ، وقيام فيعال وقيوم فيعول وقيم فيعل ، وأما الرب فمعلوم عند الناس أنه المالك ، سبحان ملك الدنيا والآخرة وملكهما ونورهما ، قوله الحق ، لأن الله هو الحق المبين ، وقد قال : فالحق والحق أقول .

وأما الإقرار بالجنة والنار فواجب مجتمع عليه ، ألا ترى أن ذلك مما يكتب في صدور الوصايا مع الشهادة بالتوحيد وبالنبي [ ص: 191 ] - صلى الله عليه وسلم - وقد قرئت " الحي القيوم والحي القيام " ، وفي مصحف ابن مسعود " القيم " وكل ذلك حسن .

وأما قوله : وإليك أنبت ، فالإنابة الرجوع إلى الخير ، ولا يكون الرجوع إلى الشر إنابة ، قال الله - عز وجل - : وأنيبوا إلى ربكم أي : عودوا إلى ما يرضى به عنكم من التوبة .

وأما قوله : اللهم لك أسلمت ، فمعناه استسلمت لحكمك وأمرك وسلمت ورضيت وآمنت وصدقت واستيقنت والله أعلم .

وقد مضى معنى الإسلام والإيمان في باب ابن شهاب عن سالم والحمد لله .

وروى هذا الحديث سفيان بن عيينة عن سليمان الأحول ، عن طاوس ، عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله ، وطاوس يكنى أبا عبد الرحمن ، وهو من جلة التابعين دينا وورعا وفضلا وعلما ، وهو طاوس بن كيسان ، ويقال : طاوس بن أبي حنيفة مولى يحيى بن ريسان الحميري اليماني ، يقال إنه لم ينفرد أحد بابن عباس من أصحابه غير طاوس ، كان له منه مجلس خاص ، وكان يواظب مجلسه مع العامة ، ومات طاوس بمكة [ ص: 192 ] قبل التروية بيوم سنة ست ومائة ، وهو ابن بضع وتسعين سنة ، وصلى عليه هشام بن عبد الملك وهو خليفة كان حج في ذلك العام .

حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن الفضل الدينوري ، حدثنا محمد بن يوسف الهروي ، حدثنا أحمد بن المعلى الأسدي ، حدثنا الوليد بن يزيد - يعرف بابن أبي طلحة - قال : حدثنا ضمرة بن ربيعة ، عن ابن شوذب قال : شهدت جنازة طاوس بمكة سنة ست ومائة ، فسمعتهم يقولون : يرحم الله أبا عبد الرحمن حج أربعين حجة .




الخدمات العلمية