الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( باب دعوى الرهط في الدار ) قال رحمه الله دار في يد رجل ادعاها رجل جميعا ، وأقام البينة ، وادعى آخر نصفها ، وأقام البينة قال أبو حنيفة رحمه الله يقسم بين المدعيين على طريق المنازعة أرباعا ثلاثة أرباعها لمدعي الجميع وربعها لمدعي النصف .

وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله يقسم على طريق العول والمضاربة [ ص: 84 ] أثلاثا ; ولهذا نظائر ، وأضداد ، ومن نظائرها الموصى له بجميع المال وبنصفه عند إجازة الورثة والموصى له بعين مع الموصى له بنصف ذلك العين إذا لم يكن للميت سواه .

ومن أضدادها العبد المأذون المشترك إذا أدانه أحد الموليين مائة ، وأجنبي مائة ، ثم بيع بمائة فالقسمة بين المدين والأجنبي عند أبي حنيفة رحمه الله بطريق العول أثلاثا وعندهما بطريق المنازعة أرباعا ، وكذلك المدبر إذا قتل رجلا خطأ وفقأ عين آخر وغرم المولى قيمته لهما ، وكذلك العبد إذا قتل رجلا عمدا وآخر خطأ ; وللمقتول عمدا ابنان فعفا أحدهما ، ثم دفع العبد بالجنايتين ومما اتفقوا على أن القسمة فيه بطريق العول التركة بين الورثة والغرماء وضاقت التركة عن إيفاء حقوقهم والموصى له بالثلث ، والموصى له بالسدس إذا لم تجز الورثة ، ومما اتفقوا على أن القسمة فيه بطريق المنازعة فضولي باع عبد رجل بغير أمره ، وباع فضولي آخر نصفه فأجاز المولى البيعين فالقسمة بين المشتريين بطريق المنازعة أرباعا .

وأصل أبي يوسف ومحمد رحمهما الله أن قسمة العين متى وجبت بسبب حق في العين كانت القسمة على طريق العول فالتركة بين الورثة ، ومتى وجبت بسبب حق كان في العين كالأصل فالقسمة على طريق المنازعة كما في بيع الفضولي فإن حق كل واحد من المشترين كان في الثمن يتحول بالشراء إلى المبيع وفي مسألة الدعوى حق كل واحد من المدعيين في العين فكانت القسمة على طريق العول لمعنى أن حق كل واحد منهما شائع في العين فما من جزء منه إلا ، وصاحب القليل مزاحم فيه صاحب الكثير بنصيبه فلهذا كانت القسمة بطريق العول .

والأصل عند أبي حنيفة رحمه الله أن كل واحد منهما إذا كان يدلي بسبب صحيح معلوم فالقسمة على طريق العول كالورثة في التركة ، وإذا كان يدلي لا بسبب صحيح ثابت فالقسمة على طريق المنازعة ، وما لا منازعة فيه لصاحب القليل يسلم لصاحب الكثير في بيع الفضولي فإن بيع كل واحد منهما غير صحيح قبل إجازة المالك ; وهذا لأن المضاربة إنما يصار إليها عند الضرورة ، وذلك عند قوة السبب واستواء السببين في صفة الصحة ففي مسألة الدعوى سبب استحقاق كل واحد منهما الشهادة ، وهي لا توجب شيئا قبل اتصال القضاء فلم يكن كل واحد من السببين معلوم الصحة فلهذا كانت القسمة على طريق المنازعة وما قال يبطل بحق الغرماء في التركة فإن قسمة العين بسبب حق كان في الذمة ، ومع ذلك كانت القسمة عوليا .

قال فإن كان المدعون ثلاثة يدعي أحدهم جميعها ، والآخر نصفها والآخر ثلثها ، وأقاموا البينة فعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله القسمة بطريق العول فتكون أصل المسألة [ ص: 85 ] من ستة يضرب مدعي الكل بسهام الدار ستة ومدعي الثلثين بسهام الثلثين أربعة ومدعي النصف بثلاثة فيقسم الدار بينهم على ثلاثة عشر سهما .

وعند أبي حنيفة رحمه الله القسمة بطريق المنازعة ، ولا منازعة لصاحب النصف والثلثين فيما زاد على الثلثين وصاحب الجميع يدعي ذلك فيسلم له بلا منازعة ، وما زاد على النصف إلى تمام الثلثين لا منازعة فيه لصاحب النصف فيكون بين صاحب الجميع والثلثين نصفين يبقى ستة استوت منازعتهم فيه فكان بينهم أثلاثا فيسلم لمدعي النصف سدس الدار ; ولمدعي الثلثين ربع الدار ; ولمدعي الجميع ما بقي وذلك سبعة أسهم من اثني عشر

التالي السابق


الخدمات العلمية