الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج ابن جرير ، عن ابن مسعود ، وناس من الصحابة، أنه كان لا يولد لآدم [ ص: 258 ] مولود إلا ولد معه جارية، فكان يزوج غلام هذا البطن جارية هذا البطن الآخر، ويزوج جارية هذا البطن غلام هذا البطن الآخر، حتى ولد له ابنان يقال لهما : قابيل وهابيل، وكان قابيل صاحب زرع، وكان هابيل صاحب ضرع، وكان قابيل أكبرهما، وكانت له أخت أحسن من أخت هابيل، وإن هابيل طلب أن ينكح أخت قابيل، فأبى عليه، وقال : هي أختي ولدت معي، وهي أحسن من أختك، وأنا أحق أن أتزوج بها، فأمره أبوه أن يزوجها هابيل، فأبى، وإنهما قربا قربانا إلى الله، أيهما أحق بالجارية، وكان آدم قد غاب عنهما إلى مكة ينظر إليها، فقال آدم للسماء : احفظي ولدي بالأمانة، فأبت، وقال للأرض فأبت، وقال للجبال فأبت، فقال لقابيل، فقال : نعم، تذهب وترجع وتجد أهلك كما يسرك، فلما انطلق آدم قربا قربانا، وكان قابيل يفخر عليه فقال : أنا أحق بها منك، هي أختي، وأنا أكبر منك، وأنا وصي والدي، فلما قربا، قرب هابيل جذعة سمينة، وقرب قابيل حزمة سنبل، فوجد فيها سنبلة عظيمة، ففركها فأكلها، فنزلت النار فأكلت قربان هابيل، وتركت قربان قابيل، فغضب، وقال : لأقتلنك حتى لا تنكح أختي، فقال هابيل : إنما يتقبل الله من المتقين ، إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك يقول : إثم قتلي إلى إثمك الذي في عنقك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن عساكر بسند جيد، عن ابن عباس قال : نهي أن ينكح المرأة أخاها توأمها، وأن ينكحها غيره من إخوتها، وكان يولد له في كل بطن رجل وامرأة، فبينما هم [ ص: 259 ] كذلك ولد له امرأة وضيئة، وولد له أخرى قبيحة دميمة، فقال أخو الدميمة : أنكحني أختك وأنكحك أختي، قال : لا، أنا أحق بأختي، فقربا قربانا، فجاء صاحب الغنم بكبش أعين أقرن أبيض، وجاء صاحب الحرث بصبرة من طعام، فتقبل من صاحب الكبش، فخزنه الله في الجنة أربعين خريفا، وهو الكبش الذي ذبحه إبراهيم، ولم يتقبل من صاحب الزرع فقتله، فبنو آدم كلهم من ذلك الكافر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج إسحاق بن بشر في (المبتدإ)، وابن عساكر في (تاريخه)، من طريق جويبر ومقاتل ، عن الضحاك ، عن ابن عباس قال : ولد لآدم أربعون ولدا، عشرون غلاما، وعشرون جارية، فكان ممن عاش منهم هابيل وقابيل، وصالح، وعبد الرحمن، والذي كان سماه عبد الحارث، وود، وكان ود يقال له : شيث، ويقال : هبة الله، وكان إخوته قد سودوه، وولد له سواع، ويغوث، ويعوق، ونسر، وإن الله أمره أن يفرق بينهم في النكاح، ويزوج أخت هذا من هذا وأخت هذا من هذا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، عن ابن عباس قال : كان من شأن ابني آدم أنه لم يكن مسكين يتصدق عليه، وإنما كان القربان يقربه الرجل، فبينا ابنا آدم قاعدان، إذ قالا : لو قربنا قربانا، وكان الرجل إذا قرب قربانا فرضيه الله أرسل إليه نارا فتأكله، وإن لم يكن رضيه الله خبت النار، فقربا قربانا، وكان أحدهما راعيا [ ص: 260 ] والآخر حراثا، وإن صاحب الغنم قرب خير غنمه، وأسمنها، وقرب الآخر بعض زرعه، فجاءت النار فنزلت، فأكلت الشاة، وتركت الزرع، وإن ابن آدم قال لأخيه : أتمشي في الناس، وقد علموا أنك قربت قربانا فتقبل منك ورد علي؟ فلا والله، لا ينظر الناس إلي وإليك، وأنت خير مني، فقال : لأقتلنك، فقال له أخوه : ما ذنبي؟ إنما يتقبل الله من المتقين لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك لا أنا بمنتصر، ولأمسكن يدي عنك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، عن ابن عمرو قال : إن ابني آدم اللذين قربا قربانا، كان أحدهما صاحب حرث، والآخر صاحب غنم، وإنهما أمرا أن يقربا قربانا، وإن صاحب الغنم قرب أكرم غنمه وأسمنها وأحسنها، طيبة بها نفسه، وإن صاحب الحرث قرب شر حرثه الكودن والزوان غير طيبة بها نفسه، وإن الله تقبل قربان صاحب الغنم، ولم يتقبل قربان صاحب الحرث، وكان من قصتهما ما قص الله في كتابه، وايم الله، إن كان المقتول لأشد الرجلين، ولكنه منعه التحرج أن يبسط يده إلى أخيه . [ ص: 261 ] وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، عن مجاهد في قوله : واتل عليهم نبأ ابني آدم قال : هابيل وقابيل لصلب آدم، قرب هابيل عناقا من أحسن غنمه، وقرب قابيل زرعا من زرعه، فتقبل من صاحب الشاة، فقال لصاحبه : لأقتلنك، فقتله، فعقل الله إحدى رجليه بساقها إلى فخذها من يوم قتله إلى يوم القيامة، وجعل وجهه إلى الشمس حيث دارت دار، عليه حظيرة من ثلج في الشتاء، وعليه في الصيف حظيرة من نار، ومعه سبعة أملاك كلما ذهب ملك جاء الآخر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن الحسن في قوله : واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق قال : كانا من بني إسرائيل، ولم يكونا ابني آدم لصلبه، وإنما كان القربان في بني إسرائيل، وكان آدم أول من مات .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : إنما يتقبل الله من المتقين الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج ابن أبي حاتم ، عن أبي الدرداء قال : لأن أستيقن أن الله تقبل مني صلاة واحدة أحب إلي من الدنيا وما فيها، إن الله يقول : إنما يتقبل الله من [ ص: 262 ] المتقين .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، عن عدي بن ثابت قال : كان يقال : قربان المتقين الصلاة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب (التقوى) عن علي بن أبي طالب قال : لا يقل عمل مع تقوى، وكيف يقل ما يتقبل .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي الدنيا، عن عمر بن عبد العزيز، أنه كتب إلى رجل : أوصيك بتقوى الله التي لا يقبل غيرها، ولا يرحم إلا أهلها، ولا يثيب إلا عليها، فإن الواعظين بها كثير، والعاملين بها قليل .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي الدنيا، عن أبي يزيد الفيض : سألت موسى بن أعين عن قوله عز وجل : إنما يتقبل الله من المتقين قال : تنزهوا عن أشياء من الحلال، مخافة أن يقعوا في الحرام، فسماهم الله متقين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي الدنيا، عن فضالة بن عبيد، قال : لأن أكون أعلم أن الله تقبل مني مثقال حبة من خردل أحب إلي من الدنيا، وما فيها، فإن الله يقول : إنما يتقبل الله من المتقين [ ص: 263 ] وأخرج ابن سعد، وابن أبي الدنيا، عن قتادة قال : قال عامر بن عبد قيس : آية في القرآن أحب إلي من الدنيا جميعا أن أعطاه، أن يجعلني الله من المتقين، فإنه قال : إنما يتقبل الله من المتقين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي الدنيا، عن همام بن يحيى قال : بكى عامر بن عبد الله عند الموت، فقيل له : ما يبكيك؟ قال : آية في كتاب الله، فقيل له : أية آية؟ فقال : إنما يتقبل الله من المتقين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن الله لا يقبل عمل عبد حتى يرضى عنه) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، عن ثابت قال : كان مطرف يقول : اللهم تقبل مني صلاة، اللهم تقبل مني صيام يوم، اللهم اكتب لي حسنة، ثم يقول : إنما يتقبل الله من المتقين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، عن الضحاك في قوله : إنما يتقبل الله من المتقين قال : الذين يتقون الشرك .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 264 ] وأخرج ابن عساكر، عن هشام بن يحيى، عن أبيه قال : دخل سائل إلى ابن عمر ، فقال لابنه : أعطه دينارا، فأعطاه، فلما انصرف قال ابنه : تقبل الله منك يا أبتاه، فقال : لو علمت أن الله تقبل مني سجدة واحدة أو صدقة درهم لم يكن غائب أحب إلي من الموت، تدري ممن يتقبل الله؟ إنما يتقبل الله من المتقين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج يعقوب بن سفيان في تاريخه، وابن عساكر ، عن ابن مسعود قال : لأن أكون أعلم أن الله تقبل مني عملا أحب إلي من أن يكون لي ملء الأرض ذهبا .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية