الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 7183 ) مسألة : قال : ( ولا ينزع عن إقراره حتى يتم عليه الحد ) وجملته : إن من شرط إقامة الحد بالإقرار ، البقاء عليه إلى تمام الحد ، فإن رجع عن إقراره أو هرب ، كف عنه . وبهذا قال عطاء ، ويحيى بن يعمر ، والزهري ، وحماد ، ومالك ، والثوري ، والشافعي ، وإسحاق ، وأبو حنيفة ، وأبو يوسف .

                                                                                                                                            وقال الحسن ، وسعيد بن جبير ، وابن أبي ليلى : يقام عليه الحد ، ولا يترك ; لأن ماعزا هرب فقتلوه ، ولم يتركوه . وروي أنه قال : { ردوني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن قومي هم غروني من نفسي ، وأخبروني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير قاتلي . فلم ينزعوا عنه حتى قتلوه . } أخرجه أبو داود . ولو قبل رجوعه ، للزمتهم ديته ; ولأنه حق وجب بإقراره ، فلم يقبل رجوعه ، كسائر الحقوق . وحكي عن الأوزاعي ، أنه إن رجع حد للفرية على نفسه ، وإن رجع عن السرقة والشرب ، ضرب دون الحد .

                                                                                                                                            [ ص: 64 ] ولنا { أن ماعزا هرب ، فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : هلا تركتموه ، يتوب فيتوب الله عليه } . قال ابن عبد البر : ثبت من حديث أبي هريرة ، وجابر ، ونعيم بن هزال ، ونصر بن داهر ، وغيرهم ، { أن ماعزا لما هرب ، فقال لهم : ردوني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : هلا تركتموه ، يتوب فيتوب الله عليه . } ففي هذا أوضح الدلائل على أنه يقبل رجوعه .

                                                                                                                                            وعن بريدة ، قال : كنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نتحدث أن الغامدية وماعز بن مالك ، لو رجعا بعد اعترافهما . أو قال : لو لم يرجعا بعد اعترافهما ، لم يطلبهما ، وإنما رجمهما عند الرابعة . رواه أبو داود . ولأن رجوعه شبهة ، والحدود تدرأ بالشبهات ; ولأن الإقرار إحدى بينتي الحد ، فيسقط بالرجوع عنه ، كالبينة إذا رجعت قبل إقامة الحد ، وفارق سائر الحقوق ، فإنها لا تدرأ بالشبهات . وإنما لم يجب ضمان ماعز على الذين قتلوه بعد هربه ; لأنه ليس بصريح في الرجوع . إذا ثبت هذا ، فإنه إذا هرب لم يتبع ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { هلا تركتموه } . وإن لم يترك وقتل ، لم يضمن ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم ; لم يضمن ماعزا من قتله ; ولأن هربه ليس بصريح في رجوعه .

                                                                                                                                            وإن قال : ردوني إلى الحاكم . وجب رده ، ولم يجز إتمام الحد ، فإن أتم ، فلا ضمان على من أتمه ; لما ذكرنا في هربه .

                                                                                                                                            وإن رجع عن إقراره ، وقال : كذبت في إقراري . أو : رجعت عنه . أو : لم أفعل ما أقررت به . وجب تركه ، فإن قتله قاتل بعد ذلك ، وجب ضمانه ; لأنه قد زال إقراره بالرجوع عنه ، فصار كمن لم يقر ، ولا قصاص على قاتله ; لأن أهل العلم اختلفوا في صحة رجوعه ، فكان اختلافهم شبهة دارئة للقصاص ; ولأن صحة الإقرار مما يخفى ، فيكون ذلك عذرا مانعا من وجوب القصاص .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية