الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                              صفحة جزء
                                                              3137 7-باب في الشهيد يغسل

                                                              330 \ 3008 - وعن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بحمزة وقد مثل به ولم يصل على أحد من الشهداء غيره

                                                              قال الدارقطني: تفرد به أسامة بن زيد عن الزهري عن أنس بهذه الألفاظ، ورواه عثمان بن عمر عن أسامة عن الزهري عن أنس، وزاد فيه حرفا لم يأت به غيره، فقال: "ولم يصل على أحد من الشهداء غيره " يعني حمزة.

                                                              وقال في موضع آخر: لم يقل هذا اللفظ غير عثمان بن عمر، وليس بمحفوظ.

                                                              وقال البخاري: "وحديث أسامة بن زيد هو غير محفوظ، غلط فيه أسامة بن زيد"، وهو الليثي مولاهم المديني، احتج به مسلم، واستشهد به البخاري. وأما عثمان بن عمر فهو ابن فارس البصري، وقد اتفقا على الاحتجاج به [ ص: 343 ]

                                                              وقد اختلف في الشهيد، فقال الشافعي، ومالك، وأحمد في الأشهر عنه، وإسحاق: لا يغسل ولا يصلى عليه. وهو قول عطاء، والنخعي، والحكم، والليث بن سعد.

                                                              وقال أبو حنيفة والثوري والأوزاعي ومكحول: لا يغسل، ويصلى عليه. وهو رواية عن أحمد، واختاره المزني.

                                                              التالي السابق




                                                              قال ابن القيم رحمه الله: وهؤلاء رأوا أن الغسل لم يأت فيه شيء يعارض حديث جابر في قتلى أحد، وأما الصلاة عليه: فقد أخرجا في الصحيحين عن عقبة بن عامر " أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوما، فصلى على [ ص: 344 ] أهل أحد صلاته على الميت ".

                                                              وحديث أنس " أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على حمزة ".

                                                              وحديث أبي مالك الغفاري قال " كان قتلى أحد يؤتى منهم بتسعة وعاشرهم حمزة، فيصلي عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يحملون، ثم يؤتى بتسعة فيصلي عليهم وحمزة مكانه، حتى صلى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم " هذا مرسل صحيح ذكره البيهقي، وقال: هو أصح ما في الباب.

                                                              وروى أبو بكر بن عياش عن يزيد بن أبي زياد عن مقسم عن ابن عباس " أنه صلى عليهم " رواه البيهقي، وقال: لا يحفظ إلا من حديثهما، وكانا غير حافظين، يعني: أبا بكر، ويزيد بن أبي زياد.

                                                              وقد روى ابن إسحاق عن رجل من أصحابه عن مقسم عن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على حمزة، فكبر سبع تكبيرات، ولم يؤت بقتيل إلا صلى عليه معه، حتى صلى عليه اثنتين وسبعين صلاة ".

                                                              ولكن هذا الحديث له ثلاث علل.

                                                              إحداهما: أن ابن إسحاق عنعنه، ولم يذكر فيه سماعا.

                                                              [ ص: 345 ] الثانية: أنه رواه عمن لم يسمه.

                                                              الثالثة: أن هذا قد روي من حديث الحسن بن عمارة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس، والحسن لا يحتج به، وقد سئل الحكم: أصلى النبي صلى الله عليه وسلم على قتلى أحد ؟ قال: لا. سأله شعبة.

                                                              وقد روى أبو داود عن أبي سلام عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. وفيه " فصلى عليه ودفنه، فقالوا: يا رسول الله، أشهيد هو ؟ قال: نعم، وأنا له شهيد " وقد تقدم.

                                                              قالوا: وهذه آثار يقوي بعضها بعضا، ولم يختلف فيها، وقد اختلف في شهداء أحد.

                                                              فكيف يؤخذ بما اختلف فيه، وتترك هذه الآثار ؟

                                                              والصواب في المسألة: أنه مخير بين الصلاة عليهم وتركها لمجيء [ ص: 346 ] الآثار بكل واحد من الأمرين، وهذا إحدى الروايات عن الإمام أحمد، وهي الأليق بأصوله ومذهبه.

                                                              والذي يظهر من أمر شهداء أحد: أنه لم يصل عليهم عند الدفن.

                                                              وقد قتل معه بأحد سبعون نفسا، فلا يجوز أن تخفى الصلاة عليهم.

                                                              وحديث جابر بن عبد الله في ترك الصلاة عليهم صحيح صريح، وأبوه عبد الله أحد القتلى يومئذ، فله بالوقعة من الخبرة ما ليس لغيره.

                                                              وقد ذهب الحسن البصري وسعيد بن المسيب إلى أنهم يغسلون ويصلى عليهم. وهذا ترده السنة المعروفة في ترك تغسيلهم.

                                                              فأصح الأقوال: أنهم لا يغسلون، ويخير في الصلاة عليهم. وبهذا يتفق جميع الأحاديث، وبالله التوفيق.




                                                              الخدمات العلمية