الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى : ( والمستحب أن يمسح أعلى الخف وأسفله فيغمس يديه في الماء ثم يضع كفه اليسرى تحت عقب الخف وكفه اليمنى على أطراف أصابعه ثم يمر اليمنى [ ص: 546 ] إلى ساقه واليسرى إلى أطراف أصابعه لما روى المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال : { وضأت رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فمسح أعلى الخف وأسفله } وهل يمسح على عقب الخف ؟ فيه طريقان ، من أصحابنا من قال يمسح عليه قولا واحدا لأنه خارج من الخف يلاقي محل الفرض فهو كغيره ، ومنهم من قال : فيه قولان ( أحدهما ) يمسح عليه وهو الأصح لما ذكرناه .

                                      ( والثاني ) لا يمسح لأنه صقيل وبه قوام الخف فإذا تكرر المسح عليه بلي وخلق وأضر به وإن اقتصر على مسح القليل من أعلاه أجزأه لأن الخبر ورد بالمسح ، وهذا يقع عليه اسم المسح ، وإن اقتصر على مسح ذلك من أسفله ففيه وجهان : قال أبو إسحاق : يجزيه لأنه خارج من الخف يحاذي محل الفرض فهو كأعلاه ، وقال أبو العباس بن سريج : لا يجزئه وهو المنصوص في البويطي وهو ظاهر ما نقله المزني ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) في هذا الفصل مسائل : ( إحداها ) حديث المغيرة رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وغيرهم وضعفه أهل الحديث ، ممن نص على ضعفه البخاري وأبو زرعة الرازي والترمذي وآخرون ، وضعفه أيضا الشافعي رضي الله عنه في كتابه القديم ، وإنما اعتمد الشافعي رضي الله عنه في هذا على الأثر عن ابن عمر رواه البيهقي وغيره ، وروى الترمذي بإسناده عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن عروة بن الزبير عن المغيرة رضي الله عنه قال : { رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين على ظاهرهما } قال الترمذي هذا حديث حسن . فإن قيل : كيف حكم الترمذي بأنه حديث حسن وقد جرح جماعة من الأئمة ابن أبي الزناد ؟ فجوابه من وجهين : ( أحدهما ) أنه لم يثبت عنده سبب الجرح فلم يعتد به كما احتج البخاري ومسلم وغيرهما بجماعة سبق جرحهم حين لم يثبت جرحهم مبين السبب .

                                      ( والثاني ) أنه اعتضد بطريق أو طرق أخرى فقوي وصار حسنا كما هو معروف عند أهل العلم بهذا الفن والله أعلم .

                                      ( الثانية ) المغيرة بضم الميم وكسرها لغتان تقدمتا مع بيان حاله في أول صفة الوضوء ، وعقب الرجل بفتح العين وكسر القاف ، هذا هو الأصل ويجوز إسكان القاف مع فتح العين وكسرها وقد سبق التنبيه على هذه [ ص: 547 ] القاعدة ، والساق مؤنثة غير مهموزة وفيها لغة قليلة بالهمز سبق بيانها في غسل الرجلين ، وتبوك بفتح التاء بلدة معروفة وهي غير مصروفة ويقال غزوة وغزاة لغتان مشهورتان ، وكانت غزوة تبوك سنة تسع من الهجرة وهي من غزوات النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه . وقوله لأنه خارج من الخف ، فيه احتراز من باطنه الذي يلاقي بشرة الرجل ، وقوله يلاقي محل الفرض ، احتراز من ساق الخف ، وقوله لأنه صقيل ، يعني : أملس رقيقا ، وقوله وبه قوام الخف ، هو بكسر القاف وفتحها لغتان مشهورتان الكسر أفصح أي : بقاؤه ، وقوله وخلق هذا بفتح الخاء واللام وفتحها وكسرها ثلاث لغات وأخلق أيضا لغة رابعة . وقوله وأضر به ، يقال ضره وأضر به يضره ويضر به ، فإذا حذفت الباء كان ثلاثيا وإذا ثبتت كان رباعيا والله أعلم .

                                      ( الثالثة ) في أحكام الفصل : اتفق أصحابنا على أنه يستحب مسح أعلى الخف وأسفله ونص عليه الشافعي رضي الله عنه قالوا وكيفيته كما ذكر المصنف رحمه الله لكونه أمكن وأسهل ، ولأن اليد اليسرى لمباشرة الأقذار والأذى ، واليمنى لغير ذلك فكانت اليسرى أليق بأسفله ، واليمنى بأعلاه ، وأما العقب فنص في البويطي على استحباب مسحه كذا رأيته فيه وكذا نقله الأصحاب عنه ، ونقل الشيخ أبو حامد استحبابه عن نصه في الجامع الكبير ، ونقله القاضي أبو حامد والماوردي وغيرهما عن نصه في مختصر الطهارة الصغير ، ونقله المحاملي عن ظاهر نصه في القديم ، وظاهر نصه في مختصر المزني أنه لا يمسح فإنه قال : يضع كفه اليسرى تحت عقب الخف وكفه اليمنى على أطراف أصابعه ثم يمر اليمنى إلى ساقه واليسرى إلى أطراف الأصابع ، وللأصحاب طريقان كما ذكر المصنف : ( أحدهما ) في استحبابه قولان ومنهم من يقول وجهان ، ودليلهما ما ذكره المصنف .

                                      ( والثاني ) وهو المذهب وبه جزم كثيرون القطع باستحبابه كما نص عليه في هذه الكتب المذكورة وتأول نصه في مختصر المزني على أن المراد وضع أصابعه تحت عقبه وراحته على عقبه ، ونقل الماوردي عدم استحبابه عن ابن سريج والله أعلم .

                                      وأما الواجب من المسح فإن اقتصر على مسح جزء من أعلاه أجزأه بلا خلاف ، وإن اقتصر على مسح أسفله أو بعض أسفله فنص الشافعي [ ص: 548 ] رضي الله عنه في البويطي ومختصر المزني أنه لا يجزئه ويجب إعادة ما صلى به ، ونقله الشيخ أبو محمد الجويني في الفروق عن نصه في الجامع الكبير ، وفي رواية موسى بن أبي الجارود ونقله الروياني وصاحب العدة عن نصه في الإملاء ، وللأصحاب ثلاث طرق حكاها صاحب الحاوي وإمام الحرمين وغيرهما : ( أحدها ) لا يجزئ مسح أسفله بلا خلاف ، وهذه طريقة أبي العباس بن سريج وجمهور الأصحاب وهي المذهب ، قال المحاملي وابن الصباغ : قال ابن سريج : لا يجزئ ذلك بإجماع العلماء .

                                      ( والطريق الثاني ) يجزئ قولا واحدا وهو قول أبي إسحاق المروزي ، وزعم أنه مذهب الشافعي رضي الله عنه قال : وغلط المزني في نقله ذلك في المختصر عن الشافعي ولا يعرف هذا للشافعي ، وإنما استنبطه المزني وغلط في استنباطه ، وتأول المتولي وغيره نصه في مختصر المزني على أنه أراد بالباطن داخل الخف وهو ما يمس بشرة الرجل .

                                      ( والطريق الثالث ) في إجزائه قولان حكاه الماوردي عن أبي علي بن أبي هريرة ، وحكاه الروياني عن القفال ورجحه الرافعي واتفق القائلون بهذا الطريق على أن الصحيح من القولين أنه لا يجزئ ، والصواب الطريق الأول وهو القطع بعدم الإجزاء فهذا هو المعتمد نقلا ودليلا . أما النقل فهو الذي نص عليه الشافعي رضي الله عنه في الكتب التي ذكرناها ولم يثبت عنه خلافه ، وأما دعوى أبي إسحاق أن المزني غلط فغلطه أصحابنا فيها قالوا : والمزني لم يستنبط ما نقله بل نقله عن الشافعي سماعا وحفظا ، قال الشيخ أبو محمد : قال المزني في الجامع الكبير : حفظي عن الشافعي رضي الله عنه أنه قال : إن مسح الباطن وترك الظاهر لا يجز . ثم إن المزني لم ينفرد بذلك بل وافقه البويطي وابن أبي الجارود ونصه في الإملاء كما قدمناه . وأما الدليل فلأنه ثبت الاقتصار على الأعلى عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يثبت الاقتصار على الأسفل ، والمعتمد في الرخص الاتباع فلا يجوز غير ما ثبت التوقيف فيه ، وعن علي رضي الله عنه : { لو كان الدين بالرأي كان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه ، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه } رواه أبو داود والبيهقي من [ ص: 549 ] طرق . قال الشيخ أبو محمد الجويني وصاحب الحاوي وغيرهما : معنى كلام علي رضي الله عنه : لكان مسح الأسفل أولى لكونه يلاقي النجاسات والأقذار لكن الرأي متروك بالنص . قال أصحابنا ولأنه موضع لا يرى غالبا فلم يجز الاقتصار عليه كالباطن الذي يلي بشرة الرجل ، قالوا : وأما مسحه مع الأعلى استحبابا فعلى طريق التبع للأعلى لاتصاله به بخلاف الباطن . قال أصحابنا : ولأن القول بجوازه خارق للإجماع فكان باطلا ، ونقل الشيخ أبو حامد والمحاملي وابن الصباغ والروياني وغيرهم عن ابن سريج أنه قال : أجمع المسلمون أنه لا يجزئ الاقتصار على الأسفل وقال القاضي أبو الطيب في تعليقه : قال أصحابنا : خالف أبو إسحاق إجماع الفقهاء قبله في هذه المسألة فلم يعتد بقوله والله أعلم .

                                      ( فرع ) لو مسح فوق كعبه من الخف أو مسح باطنه الذي يلي بشرة الرجل لم يجزئه بالاتفاق ، ولو اقتصر على مسح حرف الخف قال البغوي : هو كأسفله ، ولو اقتصر على مسح عقبه ففيه طرق : ( إحداها ) أنه كأسفله نقله البغوي .

                                      ( والثاني ) إن قلنا يجزئ الأسفل فالعقب أولى ، وإلا فوجهان ; لأن العقب أقرب إلى الأعلى ، ذكره القاضي حسين .

                                      ( والثالث ) إن قلنا لا يجزئ الأسفل فالعقب أولى وإلا فوجهان وهو ضعيف .

                                      ( والرابع ) قاله الماوردي والروياني إن قلنا مسح العقب سنة أجزأه وإلا فوجهان : أحدهما : لا يجزئ كالساق . والثاني : يجزئ لأنه في محل الفرض .

                                      ( والخامس ) قال الشاشي إن قلنا مسحه ليس بسنة لم يجزئ وإلا فوجهان كأسفله .

                                      ( والسادس ) الجزم بإجزائه حكاه الروياني ، قال الرافعي : الأظهر عند الأكثرين أنه لا يجزئ ، وهذا هو المذهب المعتمد .

                                      ( فرع ) قال أصحابنا : يجزئ المسح باليد وبأصبع وبخشبة أو خرقة أو غيرها ، ولا يستحب تكرار المسح بخلاف الرأس ; لأن المسح هنا بدل فأشبه التيمم ، هذا هو المذهب الصحيح المشهور وبه قطع الجمهور ، بل نقل إمام الحرمين والغزالي وغيرهما أن التكرار مكروه ، وحكى الرافعي عن ابن كج وجها أنه يسن التكرار ، واختاره ابن المنذر وحكى ابن المنذر عن ابن عمر [ ص: 550 ] وابن عباس وعطاء رضي الله عنهم الاقتصار على مسحة واحدة ، وهذا هو المعتمد ولم يثبت في التكرار شيء فلا يصار إليه .

                                      ( فرع ) لو غسل الخف بدل مسحه فالصحيح عند الأصحاب جوازه ، وفيه وجه كما سبق في الرأس ، فعلى الصحيح هو مكروه وتقدم في كراهة غسل الرأس وجهان ، وسبق بيان الفرق ، قال القاضي حسين : لو غسل الخف بدل مسحه أو وضع يده المبتلة عليه ولم يمرها عليه أو قطر الماء عليه ولم يسل أجزأه عند الأصحاب ، وعند القفال لا يجزئه كما ذكرناه في الرأس ، هذا مذهبنا وحكى ابن المنذر فيما إذا غسل الخف أو أصابه المطر ونوى : أنه يجزئه عن الحسن بن صالح وأصحاب الرأي وسفيان الثوري وإسحاق وعن مالك وأحمد رضي الله عنهما لا يجزئه ، واختاره ابن المنذر .

                                      ( فرع ) قال إمام الحرمين والغزالي : قصد استيعاب الخف ليس بسنة بل السنة مسح أعلاه وأسفله ; لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من مسح الأعلى والأسفل ، وأطلق جمهور الأصحاب استحباب استيعاب الخف بالمسح ، ممن أطلق هذه العبارة القاضي حسين والفوراني والمتولي والجرجاني في كتابه البلغة وصاحب العدة وغيرهم .

                                      ( فرع ) لو كان أسفل الخف نجسا بنجاسة يعفى عنها لا يمسح على أسفله بل يقتصر على مسح أعلاه وعقبه وما لا نجاسة عليه ، صرح به إمام الحرمين والغزالي في البسيط والوجيز والمتولي والروياني وآخرون ، قال الروياني : لأنه لو مسحه زاد التلويث ولزمه حينئذ غسل اليد وأسفل الخف والله أعلم .

                                      ( فرع ) في مذاهب العلماء في استحباب مسح أسفل الخف وفي الواجب من أعلاه . [ ص: 551 ] قد ذكرنا أن مذهبنا استحباب مسح أسفله وأن الواجب أقل جزء من أعلاه . فأما استحباب الأسفل فحكاه ابن المنذر عن سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر وعمر بن عبد العزيز ومكحول والزهري ومالك وابن المبارك وإسحاق . وحكى ابن المنذر عن الحسن وعروة بن الزبير وعطاء والشعبي والنخعي والأوزاعي والثوري وأصحاب الرأي وأحمد رضي الله عنهم أنه لا يستحب مسح الأسفل واختاره ابن المنذر . واحتجوا بحديث علي رضي الله عنه لو كان الدين بالرأي ، وقد سبق بيانه وبحديث المغيرة { أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح ظاهر الخف } ، رواه الترمذي وقال حديث حسن ، وقد سبق بيانه والاعتراض عليه وجوابه في أول هذه المسألة ، ولأنه ليس محلا للفرض فلا يسن كالساق ، ولأنه قد يكون على أسفله نجاسة . واحتج أصحابنا بحديث المغيرة الذي ذكره المصنف رحمه الله وبأثر ابن عمر رضي الله عنهما الذي قدمناه لكن حديث المغيرة ضعيف كما سبق ، ولأنه بارز من الخف يحاذي محل الفرض فسن مسحه كأعلاه ، ولأنه مسح على حائل منفصل فتعلق بكل ما يحاذي محل الفرض كالجبيرة ، ولأنه ممسوح فسن استيعابه كالرأس ، ولأنه طهارة فاستوى أسفل القدم وأعلاه كالوضوء .

                                      وأما حديث علي رضي الله عنه فأجابوا عنه بأن معناه لو كان الدين بالرأي لكان ينبغي لمن أراد الاقتصار على أقل ما يجزي أن يقتصر على أسفله ، { ولكني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتصر على أعلاه ولم يقتصر على أسفله ، } فليس فيه نفي استحباب الاستيعاب ، وهذا كما صح { أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح بناصيته } ولم يلزم منه نفي استحباب استيعاب الرأس ، وإنما المقصود منه بيان أن الاستيعاب ليس بواجب ، وهكذا الجواب عن حديث المغيرة ، وأما قياسهم على الساق فجوابه من وجهين : ( أحدهما ) أنه ليس بمحاذ للفرض فلم يسن مسحه كالذؤابة النازلة عن حد الرأس بخلاف أسفله فإنه محاذ محل الفرض فهو كشعر الرأس الذي لم ينزل عن محل الفرض .

                                      ( الثاني ) أن هذا منتقض بمسح العمامة مع الناصية وبمسح الأذن ، وأما قولهم قد يكون على أسفله نجاسة فجوابه أنه إذا كانت نجاسة لم يمسح أسفله عندنا كما سبق والله أعلم . [ ص: 552 ]

                                      وأما الاقتصار على أقل جزء من أعلاه فوافقنا عليه الثوري وأبو ثور وداود ، وقال أبو حنيفة رضي الله عنه : يجب مسح قدر ثلاث أصابع ، وقال أحمد رضي الله عنه : يجب مسح أكثر ظاهره ، وعن مالك مسح جميعه إلا مواضع الغضون ، واحتجوا بما روي عن علي رضي الله عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على خفيه خطوطا بالأصابع } ، وعن الحسن البصري قال : من السنة أن يمسح على الخفين خطوطا بالأصابع ، قال أصحاب أبي حنيفة رضي الله عنهم : وأقل الأصابع ثلاث ، ولأنه مسح في الطهارة فلم يكفه فيه مطلق الاسم كما لو بل شعرة ووضعها على الخف ، ولأن من مسح بأصبع لا يسمى ماسحا ، ولأن المسح ورد مطلقا فوجب الرجوع إلى فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولأنه مسح في طهارة فلم يكف مطلق الاسم كمسح وجه المتيمم . واحتج أصحابنا بأن المسح ورد مطلقا ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في تقدير واجبه شيء فتعين الاكتفاء بما ينطلق عليه الاسم ، فإن قالوا : لم ينقل الاقتصار على مطلق الاسم . قلنا : لا يفتقر ذلك إلى نقل لأنه مستفاد من إطلاق إباحة المسح فإنه يتناول القليل والكثير ولا يعدل عنه إلا بدليل . فإن قالوا : لا يسمى ذلك مسحا ، قلنا هذا خلاف اللغة فلا خلاف في صحة إطلاق الاسم عندهم .

                                      وأما الجواب عن دلائلهم فكلها تحكم لا أصل لشيء منها ، وأما حديث علي رضي الله عنه فجوابه من أوجه : ( أحسنها ) أنه ضعيف فلا يحتج به .

                                      ( والثاني ) لو صح حمل على الندب جمعا بين الأدلة .

                                      ( الثالث ) أنه قال : مسح بأصابعه ولا يقولون بظاهره ، فإن تأولوه فليس تأويلهم أولى من تأويلنا . وأما قول الحسن فجوابه من وجهين : ( أحدهما ) أنه ليس بحجة فإن قول التابعي : " من السنة كذا " لا يكون مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم بل هو موقوف ، هذا هو الصحيح المشهور ، قال القاضي أبو الطيب : وقال بعض أصحابنا : هو مرفوع مرسل وقد سبق بيان هذا في مقدمة الكتاب . ( والثاني ) : لو كان حجة لحمل على الندب ، وأما قولهم : لو مسح بشعرة فجوابه إن سمي ذلك مسحا قلنا بجوازه ، وإلا فلا يرد علينا ، وقولهم لا يسمى [ ص: 553 ] المسح بالأصبع مسحا لا نسلمه ، وقولهم يجب الرجوع إلى فعل النبي صلى الله عليه وسلم جوابه أنه لم يثبت التقدير الذي قالوه ، وقياسهم على التيمم جوابه أنه لا يصح إلحاق ذا بذاك ; لأنا أجمعنا على الاستيعاب هناك دون هنا فتعين ما ينطلق عليه الاسم . والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية