الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 81 ] وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاعزموا على التوبة والرجوع إلى من خلقكم برآء من التفاوت، ومميزا بعضكم عن بعض بصور وهيئات مختلفة، وأصل التركيب لخلوص الشيء عن غيره، إما على سبيل التقصي كقولهم برئ المريض من مرضه والمديون من دينه، أو الإنشاء كقولهم برأ الله آدم من الطين أو فتوبوا.

                                                                                                                                                                                                                                        فاقتلوا أنفسكم إتماما لتوبتكم بالبخع، أو قطع الشهوات كما قيل من لم يعذب نفسه لم ينعمها ومن لم يقتلها لم يحيها. وقيل أمروا أن يقتل بعضهم بعضا. وقيل أمر من لم يعبد العجل أن يقتل العبدة.

                                                                                                                                                                                                                                        روي أن الرجل كان يرى بعضه وقريبه فلم يقدر على المضي لأمر الله، فأرسل الله ضبابة وسحابة سوداء لا يتباصرون، فأخذوا يقتتلون من الغداة إلى العشي حتى دعا موسى وهارون فكشفت السحابة ونزلت التوبة، وكانت القتلى سبعين ألفا. والفاء الأولى للتسبب، والثانية للتعقيب.

                                                                                                                                                                                                                                        ذلكم خير لكم عند بارئكم من حيث إنه طهرة من الشرك، ووصلة إلى الحياة الأبدية والبهجة السرمدية.

                                                                                                                                                                                                                                        فتاب عليكم متعلق بمحذوف إن جعلته من كلام موسى عليه السلام لهم تقديره: إن فعلتم ما أمرتم به فقد تاب عليكم، أو عطف على محذوف إن جعلته خطابا من الله تعالى لهم على طريقة الالتفات، كأنه قال: ففعلتم ما أمرتم به فتاب عليكم بارئكم. وذكر البارئ وترتيب الأمر عليه إشعار بأنهم بلغوا غاية الجهالة والغباوة، حتى تركوا عبادة خالقهم الحكيم إلى عبادة البقر التي هي مثل في الغباوة، وأن من لم يعرف حق منعمه حقيق بأن لا يسترد منه، ولذلك أمروا بالقتل وفك التركيب.

                                                                                                                                                                                                                                        إنه هو التواب الرحيم للذي يكثر توفيق التوبة، أو قبولها من المذنبين، ويبالغ في الإنعام عليهم.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية