الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
[ ص: 270 ] النوع الثامن في خواتم السور

وهي مثل الفواتح في الحسن : لأنها آخر ما يقرع الأسماع ; فلهذا جاءت متضمنة للمعاني البديعة ; مع إيذان السامع بانتهاء الكلام حتى يرتفع معه تشوف النفس إلى ما يذكر بعد .

ومن أوضحه خاتمة سورة " إبراهيم " : ( هذا بلاغ للناس ) ( إبراهيم : 52 ) ، وخاتمة سورة الأحقاف : ( بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون ) ( الأحقاف : 35 ) ، ولأنها بين أدعية ووصايا وفرائض ومواعظ وتحميد وتهليل ، ووعد ووعيد ، إلى غير ذلك ، كتفصيل جملة المطلوب في خاتمة فاتحة الكتاب ; إذ المطلوب الأعلى الإيمان المحفوظ من المعاصي المسببة لغضب الله والضلال ; ففصل جملة ذلك بقوله : ( الذين أنعمت عليهم ) ( الفاتحة : 7 ) ، والمراد " المؤمنين " ; ولذلك أطلق الإنعام ولم يقيده ; ليتناول كل إنعام ; لأن من أنعم الله عليه بنعمة الإيمان فقد أنعم عليه بكل نعمة ; لأن نعمة الإيمان مستتبعة لجميع النعم ; ثم وصفهم بقوله : ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) ( الفاتحة : 7 ) ، يعني أنهم جمعوا بين النعم المطلقة وهي نعمة الإيمان ، وبين السلامة من غضب الله والضلال المسببين عن معاصيه وتعدي حدوده .

وكالدعاء الذي اشتملت عليه الآيتان من آخر سورة " البقرة " ( الآيتان : 285 - 286 ) .

وكالوصايا التي ختمت بها سورة " آل عمران " ( الآية : 200 ) ، بالصبر على تكاليف الدين ، والمصابرة لأعداء الله في الجهاد ، ومعاقبتهم ، والصبر على شدائد الحرب ، والمرابطة في [ ص: 271 ] الغزو المحضوض عليها بقوله : ( ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ) ( الأنفال : 60 ) ، والتقوى الموعود عليها بالتوفيق في المضايق وسهولة الرزق في قوله : ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ) ( الطلاق : 2 و 3 ) وبالفلاح ; لأن ( لعل ) من الله واجبة .

وكالوصايا والفرائض التي ختمت بها سورة " النساء " ( الآية : 176 ) ، وحسن الختم بها ; لأنها آخر ما نزل من الأحكام عام حجة الوداع .

وكالتبجيل والتعظيم الذي ختمت به " المائدة " : ( لله ملك السماوات والأرض وما فيهن وهو على كل شيء قدير ) ( المائدة : 120 ) ، ولإرادة المبالغة في التعظيم اختيرت " ما " على " من " ; لإفادة العموم ، فيتناول الأجناس كلها .

وكالوعد والوعيد الذي ختمت به سورة " الأنعام " بقوله : ( إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم ) ( الأنعام : 165 ) ، ولذلك أورد على وجه المبالغة في وصف العقاب بالسرعة وتوكيد الرحمة ، بالكلام المفيد لتحقيق الوقوع .

وكالتحريض على العبادة بوصف حال الملائكة الذي ختمت به سورة " الأعراف " ( الآية : 206 ) ، والحض على الجهاد وصلة الأرحام ، الذي ختم به " الأنفال " ( الآية : 75 ) .

ووصف الرسول ومدحه ، والاعتداد على الأمم به ، وتسليمه ووصيته ، والتهليل الذي ختمت به " براءة " ( التوبة : 129 ) .

وتسليته عليه الصلاة والسلام الذي ختم بها سورة " يونس " ( الآية : 109 ) ، ومثلها خاتمة " هود " ( الآية : 123 ) ، ووصف القرآن ومدحه الذي ختم به سورة " يوسف " ( الآية : 111 ) .

والرد على من كذب الرسول الذي ختم به الرعد ( الآية : 43 ) . ومدح القرآن وذكر فائدته والعلة في أنه إله واحد الذي ختمت به " إبراهيم " ( الآية : 52 ) ، ووصيته الرسول التي ختم بها " الحجر " ( الآية : 99 ) .

وتسلية الرسول بطمأنينته ، ووعد الله سبحانه الذي ختمت به " النحل " ( الآية : 128 ) ، والتحميد الذي ختمت به " سبحان " ( الإسراء : 111 ) .

وتحضيض الرسول على البلاغ والإقرار بالتنزيه ، والأمر بالتوحيد الذي ختمت به " الكهف " ( الآية : 110 ) .

وقد أتينا على نصف القرآن ليكون مثالا لمن نظر في بقيته .

التالي السابق


الخدمات العلمية